حين تقرأ قصائد أحمد الشهاوي، تشعر وكأن اللغة ترتل آياتها، وتضيء الكلمات قبل أن تُكتب. هو شاعر يرى في الكتابة خلاصًا، وفي العزلة حضورًا، فقد نسج تجربته الشعرية من خيوط التصوف والوجد والعشق، ليصبح أحد أبرز شعراء العربية في العصر الحديث.
بعد مسيرة إبداعية حافلة، تُوِّج الشهاوي بجائزة الدولة التقديرية في الآداب لعام 2025، تكريمًا لمشروع شعري فريد تتقاطع فيه اللغة بالروح، والسفر بالذات. وفي هذا الحوار، نقترب من رؤيته لهذه الجائزة، ونتأمل معه معاني الحب والغياب، ونفتح دفاتر الشعر والحياة والفلسفة، في حضرة من عاشها قصيدة لا تنتهي.
أجرت “صوت البلد” هذا الحوار مع الشاعر أحمد الشهاوي لتسلط الضوء على رحلته الإبداعية، والأسماء التي دعمته، والتحديات التي واجهها، والرسائل التي سعى لإيصالها إلى جمهوره.
– كيف استقبلت هذا التتويج؟
نيل أي جائزة يجعل الشاعر راضيًا لبعض الوقت عما أنجز، ولكن عليه أن ينفض عنه حال الفرح والنشوة، وينتبه إلى كتابته ويتفرغ لها. لا يجب أن يصبح موظفًا لديها، فيُعرف بـ “الحاصل على جائزة الدولة التقديرية” ثم يتوقف عن القراءة والكتابة، بل عليه مواصلة المسيرة بمزيد من المغامرة والتجريب والسعي نحو كل ما هو جديد ومختلف.
الجائزة أرض خضراء
– إلى أي مدى ترى أن الجوائز تؤثر على الشاعر؟
الجائزة المستحقة تمنح الشاعر ثقة فيما قدمه، وتعطيه أرضًا أوسع ليبذر ويزرع، منتظرًا حصاده، وهو تلقي القارئ لمنجزه، وهذا في حد ذاته جائزة أخرى مهمة.
– ما الصعوبات التي واجهتها أثناء التقديم للجائزة؟
لا شك أن هناك صعوبات تواجه من يرغب في التقدم لنيل جائزة الدولة التقديرية أو جائزة النيل، حيث يتوجب عليه البحث عن جهة ترشحه، مثل إحدى الجامعات أو المؤسسات التي يحق لها ذلك، وهذا الأمر يحتاج إلى كثير من التغيير.
أما في حالتي، فلم أتقدم من قبل لهذه الجائزة، وقد رشحتني جمعية المأثورات الشعبية برئاسة الدكتور أحمد بهي الدين. اجتزت التصفيات الأولى، وفي التصويت الأخير نلت أعلى الأصوات -28 صوتًا-، وهو أمر مهم في جائزة كهذه.
كثيرون آمنوا بشعري
– من الذي ألهمك أكثر خلال مسيرتك؟
يجب أن أستذكر الذين آمنوا بتجربتي الشعرية منذ البداية ووقفوا بجواري. وهم كثيرون من كتاب ونقاد وشعراء، منهم خيري شلبي، وجمال الغيطاني، وإدوار الخراط، وعز الدين إسماعيل، وسامي خشبة، ويوسف زيدان، وصلاح فضل، ومحمد عبد المطلب، وأمجد ناصر، ومصطفى عبادة، وحسن نجمي، وزهير أبو شايب، وأسامة عفيفي. ولا يمكن أن أنسى محمد سلماوي الذي نشر لي ديواني الأول “ركعتان للعشق” عام 1988 عن دار ألف للنشر التي كان قد أسسها.
وبالطبع أذكر الناشر محمد رشاد مؤسس الدار المصرية اللبنانية التي تنشر كل ما أكتب، والإذاعية الرائدة حكمت الشربيني التي حملت شعري للجمهور المصري والعربي على أجنحة صوتها. الأسماء كثيرة وتحتاج إلى كتاب منفصل لأشرح فضل كل اسم عليّ.
نزعة صوفية عاطفية
وأحمد الشهاوي هو شاعر مصري وُلد في مدينة دمياط عام 1960، ويُعد من أبرز شعراء جيله في العالم العربي. التحق بقسم الصحافة في كلية الآداب بسوهاج، جامعة أسيوط، وتخرج في مايو 1983م. وعمل صحفيًا بجريدة الأهرام، كما أسس وأدار تحرير عدد من المجلات، وكان له حضور بارز في المشهد الأدبي المصري والعربي على مدى عقود.
عُرف الشهاوي بأسلوبه الشعري المميز الذي يمزج بين النزعة الصوفية واللغة العاطفية العميقة، مع قدرة فريدة على توظيف التراث بروح حداثية مبتكرة. كما تتميز قصيدته بالموسيقى الداخلية واللغة الشفافة التي تحمل أبعادًا روحية وفلسفية.
حاز الشهاوي على عدد من الجوائز والتكريمات، كان آخرها جائزة الدولة التقديرية، تقديرًا لإسهاماته الشعرية الغنية وتأثيره في المشهد الثقافي. كما حصل على جائزة اليونسكو في الآداب عام 1995م، وحاز على جائزة كفافيس الدولية للشعر عام 1998، وجائزة كاثاك الأدبية 2024م.
أصدر أحمد الشهاوي على مدار مسيرته الشعرية عددًا من الدواوين التي رسخت مكانته كأحد أبرز الأصوات الشعرية في مصر والعالم العربي، منها: ركعتان للعشق الذي يُعد من أشهر أعماله وأكثرها تداولًا، حيث مزج فيه بين النزعة الصوفية واللغة الشعرية الرفيعة، وكتاب الموت الذي تناول فيه فكرة الموت بعمق فلسفي ورؤية جمالية نادرة. كما أصدر دواوين أخرى لاقت صدى واسعًا.
يظل أحمد الشهاوي صوتًا شعريًا متفردًا، يكتب من منطقة تمزج بين البوح الإنساني العاطفي والتأمل الروحي، ما جعله يحجز لنفسه مكانة بارزة في ذاكرة الشعر العربي المعاصر. وتمثل تجربته الشعرية امتدادًا للتيار الصوفي في الأدب العربي، مع انفتاح على القضايا الوجودية والإنسانية، وقدرة على تحويل التجربة الذاتية إلى نصوص شعرية ذات طابع عالمي.
