يوم التروية هو أحد الأيام الفضيلة، من أيام العشر من ذي الحجة؛ التي أقسم الله تعالى بها في القرآن الكريم لعظمتها وفضلها، إذ هو اليوم الثامن من ذي الحجة، وقد سمّي بيوم التروية؛ لأن الحجاج كانوا يروون فيه أنفسهم من الماء، ويسقون فيه إبلهم، ويتزوّدون فيه بحمل الماء معهم، لأخذه من مكة إلى عرفات؛ لأن الأماكن التي ينتقلون إليها ليس فيها آبار أو عيون.
ويُعرف اليوم الثامن من ذي الحجة بـ”يوم التروية” وهو اليوم الذي يبيت فيه الحجاج ليلتهم بمنى استعدادًا ليوم عرفة؛ وفيه يبدأ الإحرام لمن تحلل من الإحرام سابقًا، حيث يقضي حجاج بيت الله الحرام هذا اليوم المبارك في المنطقة الممتدة بين مشعري مكة ومزدلفة على بعد 7 كم شمال شرقي المسجد الحرام.
وقد دلّ القرآن الكريم على فضل هذه الأيام المباركة، فقال تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [سورة الآية الحج: 28]، كما أقسم بها الله عز وجل في قوله بسورة الفجر بسم الله الرحمن الرحيم: {وَٱلۡفَجۡرِ (1) وَلَيَالٍ عَشۡرٖ (2)} صدق الله العظيم، وذلك لما لها من الفضل والمكانة، إذ يُستحب فيه الإكثار من الأعمال الصالحة تزامنًا مه بدء الإحرام من مِنى لتبدأ مناسك الحج.
تتحول منى في هذه الأيام المباركات إلى بقعة نابضة بالحياة، تملأها الخيام البيضاء وتنتشر فيها مراكز الإرشاد والرعاية الطبية والخدمية، وسط تنظيم دقيق يراعي حركة الحجيج واحتياجاتهم، خاصة كبار السن وذوي الإعاقة، الذين يجدون في كل زاوية يدًا تمتد لمساعدتهم، وقلوبًا تتسابق في العطاء.
هذا ويواصل حجاج بيت الله الحرام ــ اليوم الأربعاء 8 ذي الحجة ــ التوافد على مشعر منى لقضاء يوم التروية والمبيت فيها اقتداء بسنة الرسول الكريم، استعدادا للوقوف على صعيد عرفات الخميس الموافق 9 ذي الحجة.
مظهر شاهين
يقول الشيخ مظهر شاهين، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وإمام وخطيب مسجد عمر مكرم لـ”صوت البلد”: في أيام الله المباركة، تتجلّى في النفوس نفحات ربانية عظيمة، ومن بين هذه الأيام العظيمة يبرز يوم التروية؛ ذلك اليوم الذي يُحيي في قلوب المؤمنين معاني الاستعداد والتأهّب للقرب من الله تعالى. إنه اليوم الثامن من شهر ذي الحجة، الذي يبدأ فيه الحُجّاج أولى خُطاهم العملية في أداء مناسكهم، فيتوجّهون إلى منى، ملبّين ومتوكلين، استعدادًا للوقوف بعرفة، ركن الحجّ الأعظم. وقد بيّن حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن “الأيام المعلومات” هي العشر الأوائل من ذي الحجة، ومنها يوم التروية، كما أخرجه البخاري تعليقًا، وأكّده كبار المفسرين. أما في السنّة، فقد روى الإمام البخاري عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أيامٍ العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام»، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء». (رواه البخاري). وهذا يدلّ على عظيم الفضل في العمل الصالح خلال هذه الأيام، ومنها يوم التروية، الذي يُستحب فيه الإكثار من الذكر، والدعاء، والصدقة، وسائر القربات.
حكم صيام يوم التروية
ويضيف عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية: يُستحب صيام يوم التروية لغير الحاج، لكونه من أيام العشر التي ورد في فضلها الحديث النبوي. وقد نصّ العلماء على أن الصيام من أعظم القُرُبات فيها، فقد قال الإمام النووي رحمه الله: “يُستحب صوم أيام العشر إلا لمن كان حاجًّا بعرفة، فالأفضل له الفطر”. (المجموع شرح المهذب، 6/428). أما الحاج، فالأفضل له أن يفطر يوم التروية ليكون أقوى على العبادة وأداء المناسك، كما جرى عليه عمل السلف. وبهذا يكون يوم التروية يومًا يُروّى فيه القلب بالإيمان، كما يُروى الجسد بالماء استعدادًا للنسك الأعظم، ويكون بالصيام والذكر والطاعة لمن لم يحجّ، وبالإحرام والانطلاق إلى منى لمن وفّقه الله للحج.
أدعية مأثورة في يوم التروية
إن الدعاء من أعظم ما يُستحب في هذا اليوم المبارك، حيث يتوجه المسلم إلى الله بنية خالصة لوجهه سبحانه وتعالى، طامعًا في الرحمة والمغفرة، إذ إنه يوم تتنزل فيه الرحمات، وتُرفع فيه الحاجات، وتُمحى فيه الذنوب.. في السطور التالية؛ نورد بعض الأدعية المأثورة التي يحرص المسلمون على ترديدها في هذا اليوم المبارك.
اللَّهُمَّ أَنْتَ المَلِكُ لا إلَهَ إلَّا أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَاعْتَرَفْتُ بذَنْبِي، فَاغْفِرْ لي ذُنُوبِي جَمِيعًا، إنَّه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لأَحْسَنِ الأخْلَاقِ، لا يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا، لا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إلَّا أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ كُلُّهُ في يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ ليسَ إلَيْكَ، أَنَا بكَ وإلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْكَ.
اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ مِنَ الخيرِ كلِّهِ عاجلِهِ وآجلِهِ ، ما عَلِمْتُ منهُ وما لم أعلَمْ ، وأعوذُ بِكَ منَ الشَّرِّ كلِّهِ عاجلِهِ وآجلِهِ ، ما عَلِمْتُ منهُ وما لم أعلَمْ ، اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ من خيرِ ما سألَكَ عبدُكَ ونبيُّكَ ، وأعوذُ بِكَ من شرِّ ما عاذَ بِهِ عبدُكَ ونبيُّكَ ، اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ الجنَّةَ وما قرَّبَ إليها من قَولٍ أو عملٍ، وأعوذُ بِكَ منَ النَّارِ وما قرَّبَ إليها من قولٍ أو عملٍ، وأسألُكَ أن تجعلَ كلَّ قَضاءٍ قضيتَهُ لي خيرًا.
رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ في قَلْبِي نُورًا، وفي سَمْعِي نُورًا، وفي بَصَرِي نُورًا، وَعَنْ يَمِينِي نُورًا، وَعَنْ شِمَالِي نُورًا، وَأَمَامِي نُورًا، وَخَلْفِي نُورًا، وَفَوْقِي نُورًا، وَتَحْتي نُورًا، وَاجْعَلْ لي نُورًا، أَوْ قالَ: وَاجْعَلْنِي نُورًا.
رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لي دِينِي الذي هو عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لي دُنْيَايَ الَّتي فِيهَا معاشِي، وَأَصْلِحْ لي آخِرَتي الَّتي فِيهَا معادِي، وَاجْعَلِ الحَيَاةَ زِيَادَةً لي في كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ المَوْتَ رَاحَةً لي مِن كُلِّ شَرٍّ.
اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرَائِيلَ، وَمِيكَائِيلَ، وإسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ، عَالِمَ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بيْنَ عِبَادِكَ فِيما كَانُوا فيه يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِما اخْتُلِفَ فيه مِنَ الحَقِّ بإذْنِكَ؛ إنَّكَ تَهْدِي مَن تَشَاءُ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.