خبر وراء خبر

نهى عودة: رحلاتي تبحث عن الإنسان.. وفلسطين باقية

ليس السفر فقط حركة بالجسد، لكنه رحلة داخلية في النفس تفتح لها آفاقا مجهولة. في بلدان العالم شرقًا وغربًا وقفت المهندسة المصرية عاشقة التاريخ تتأمل سيرة الإنسان والمكان وتعود مع بلورة الزمن لأصل لحكاية من البداية.. بمرور الوقت أصبحت سلسلة “عن العشق والسفر” واحدة من أكثر كتابات أدب الرحلة العربية شيوعًا.

مؤلفة السلسلة كاتبة وناشرة، ساهمت بتأسيس فريق “بصمة” للأبحاث التاريخية، وهي ممثلة للنساء العربيات في محافل عدة باستراليا وناشطة فاعلة في الدفاع عن فلسطين، إضافة لعضويتها لجنة تحكيم مسابقة “اقرأ” للحفاظ على الهوية بين المهاجرين العرب.. 

التقينا “عودة” في ختام معرض القاهرة الدولي للكتاب، وكان الحوار التالي عن فلسطين والتاريخ والجزء الرابع من سلسلة أدب الرحلة الذي يقودنا إلى اليابان بلاد الشمس المشرقة، وهو تحت عنوان “حائط الذكريات”..‬

كيف تحولت من الكتابة التاريخية لأدب الرحلة؟

التاريخ ليس مجرد أحداث مرت، بل هو نسيج قصص تحمل بين طياتها تجارب البشر، مخاوفهم، وأحلامهم التي لم تكتمل.. من هنا بدا شغفي بالتاريخ وشاركت في عديد من الكتب منها “التاريخ كما كان” ثم تحولت للسرد الروائي في “مسارات بديلة”، لكنني وجدت أن أدب الرحلة هو ما يلبي رغبتي في الحكي بروح تمزج الخاص والعام، وأعتقد أن الكتابة حملت التاريخ والجغرافيا والعمارة والفنون والأجواء الأسرية. انطلقت سلسلة “عن العشق والسفر” من الجزء الأول أو “رفيقا طريق” عام 2022 وكنت أعني بالعشق ابتداءً كل ما يقودك إليه قلبك، وربما كانت تلك الفكرة “فخًا” لذيذا سقطت فيه مع قرائي لنرحل سويا لرؤية العالم بعيون عربية.

شرعت أكتب تجربتي الذاتية أنا وزوجي الكاتب والناشر أيمن حويرة، وكل رصيف تركنا عليه ذكرياتنا وكل مشقة واجهناها سويًا في بقاع العالم. تطور الأمر في “رسائل البحر” وفيه نحلق مع مدن ساحلية مختلفة، مع التركيز على جمال الطبيعة في جزر مثل رودس والبهاما، وفكرة الثقافات المتنوعة، وكالعادة تيمة الذكريات والعائلة، والتي تعد رابطا أساسيا في السلسلة.

في “بلورة الأمنيات” نقترب من أهمية الهروب لمساحات الحب والنور وتحقيق الأمنيات مهما كان الواقع. انطلقت رحلاتنا بين القاهرة وباريس بنكهة معمارية تاريخية، مع الكثير من المواقف الحياتية الطريفة. في الجزء الأحدث “حائط الذكريات” نحط الرحال مع اليابان في جولة استغرقت مني مجهودًا كبيرا في البحث والاطلاع وليس التنقل فقط.

كتابك الأخير عن اليابان يؤكد أن ذكريات البشر/الأمم جسر العبور للمستقبل.. حدثينا عنه

في هذا الكتاب الذي يعد الجزء الرابع من سلسلة “عن العشق والسفر”، اقتربت من تجربة حقيقية حين جمعت صور أسرتي وصنعت منها حائطًا أسميته بحائط الذكريات، وكيف يمكن تأملها وتقييم تجاربنا والتعلم منها.. أما رحلتنا المكانية فكانت لليابان وتاريخها القديم الملهم منذ عصور الساموراي ووصولا للحروب العالمية؛ حيث استطاعت في كل مرة النهوض من نقطة الصفر.. نتأمل طبيعتها الساحرة والتي نرى فيها مثلا مدينة تعانق السحاب وسحر أشجار القيقب التي تزدهر في الخريف، ونتأمل الفلسفة الروحية المشعة من المتاحف والمعابد. نقترب أيضا من الطقوس التي لا يزال اليابانيون يحتفظون بها ومنها “بيوت الشاي” وغرفة “واشيتسو” التقليدية. من زاوية أخرى اقتربت من قيم النجاح وتربية النشء.. وفكرة صناعة “الأنيمي” والتي تعد جزء من هوية اليابان وتميزها.. 

وكالعادة أيضا يعنيني في كل رحلة تسجيل حالة الجاليات العربية والمسلمة؛ ومن ضمن ذلك رصدت مشاركتنا في مظاهرات خرجت من العاصمة اليابانية دفاعًا عن فلسطين ضد الإبادة والتهجير. 

تشاركين دائمًا في مظاهرات الدفاع عن فلسطين في عواصم عدة، فكيف تلمسين أثرها على الأرض؟

المظاهرات الشبابية شكلت صفعة حقيقية للكيان الاستعماري الصهيوني وساهمت في إيقاظ ضمير العالم ولا تزال؛ على سبيل المثال تخرج المظاهرات في استراليا – حيث أعيش مع أسرتي – بدعوة من شباب ينتمون لجنسيات مختلفة وليس عربية فحسب، وقد ظلت تلك المظاهرات طوال فترة الحرب فلم تهدأ. في البداية كنا نواجه مظاهرات محدودة للغاية مدفوعة من اللوبي الصهيوني لتأييد إسرائيل، ولأن المؤيدين للكيان المحتل لا يمتلكون يقينا بعدالة موقفهم فقد تلاشوا بمرور الوقت فلم ير أحد أثرا لهم.

شهدت سيدني العاصمة الاسترالية مظاهرات حاشدة بمشاركة الجالية العربية مع القصف الإسرائيلي للأبرياء في فلسطين ولبنان، وكانت الأخيرة جذوة محركة للأحداث لأن الجالية اللبنانية ضخمة في استراليا. بالتوازي كانت مظاهرات عارمة ومازالت في مدن أمريكية متنوعة يقودها الطلاب بشجاعة. ونتيجة لتواصل تلك المظاهرات وإظهارها أدلة حرب الإبادة التي تقودها إسرائيل المسلحة بأسلحة غربية، بدأت أهم المقار السياسية تتحدث عن قرارات تهديء المحتجين؛ فناقش مجلس الوزراء الاسترالي والبرلمان أيضا وقف دعم الكيان الصهيوني والذي كان يحدث في البداية، وبدأت لهجة الإعلام تتجه لمزيد من الحياد بعد أن كانت منحازة لإسرائيل وتصورها بقوة تقضي على الإرهاب في الشرق، ومع تواصل مظاهرات الكوادر الطبية بدأ التنديد يحدث بقتل الأطفال والعاهات المستديمة للآلاف منهم جراء الحرب، وبدات الجامعات ومنها جامعة ملبورن – أسوة بجامعات النخب الغربية هارفارد وأكسفورد- يتحدث أساتذة فيها عن وقف التعاون الأكاديمي والبحثي مع جامعات إسرائيل..

عودة وحويرة في مظاهرة بسيدني لأجل فلسطين

أتذكر جيدًا تلك الليالي الشتوية القارسة التي كنا نمكث فيها مع الطلاب المعتصمين لأجل فلسطين، وكيف كنت وسيدات عربيات نجهز الأطعمة الدافئة دعمًا للصامدين، وفي محافل أخرى نصنع حلوى فلسطينية.

في هذه الأثناء كنتُ أنا وزوجي وغيرنا من الباحثين نهتم بإلقاء محاضرات عن دور الامبريالية الغربية في إقامة الكيان الصهيوني وننفي ادعاءاتهم بأحقيتهم في أرض فلسطين، ومن هنا تأسست مكتبة في جامعة سيدني مخصصة للأعمال الفكرية والأدبية المتعلقة بقضية فلسطين، وهذه نجاحات هامة على طريق الوعي بقضيتنا.

كرمتك مؤسسة التميز الاسترالية عن دورك في مجال تعزيز القراءة العربية.. ماذا عن تجربتكم في هذا الجانب؟

منذ وطات أقدامنا أرض استراليا، وقد وضعت أنا وزوجي فكرة الحفاظ على الهوية العربية والإسلامية كأولوية وخاصة أن لدينا ثلاثة أبناء في أعمار متفاوتة. مكثت اعواما ثلاثة متفرغة لابنتي كي تتقن اللغة العربية، ونحرص دومًا على خلق بيئة عربية لأبنائنا ولو داخل البيت، عبر الفنون والكتب. بعد ذلك بدأت أشارك في جهود الجالية العربية في سيدني لدعم القراءة العربية التي تعد مفتاحا لهوية النشء أمام موجات تغريب هدامة. توفر تلك المبادرات للأطفال القصص والكتب ومسابقات القراءة وورش الحكي والإبداع العربي، ثم أصبح العمل مكثفا بعد أن تم اختياري أنا وزوجي ضمن لجنة تحكيم مسابقة “اقرأ” برعاية مؤسسة التميز، وضمن جهود هامة لتعزيز الهوية العربية.

حظى مشروع “ذاكرة الأدب العربي” باهتمام لافت من قراء معرض القاهرة للكتاب.. ما ملامح تلك المبادرة؟

عملية النشر تضع على عاتقك دائما مهمة اختيار ما يثري القراء، وقد فكرنا في دار “كتوبيا” في أن نقدم ملاحم مهمة لقامات إبداعية مثل الروائي أحمد الشيخ صاحب ملحمة “كفر عسكر”، إلى جانب روائع السحار وعبد الحليم عبد الله والعقاد وغيرهم. كما اتجهنا لتقديم أعمال لا تسلط عليها الأضواء؛ ومنها “أحلام شهرزاد” لطه حسين، وأدب الجريمة لمحمد كامل حسين، و”من قتل ليلى الحائك” لغسان كنفاني والذي يفاجئنا هنا بالأدب البوليسي، كما قدمنا روائع قصصية للفلسطيينة الرائدة ليلي عزام.

وبخصوص السردية الفلسطينية قدمنا ملحمة الكاتبة نردين أبي نبعة، وفيها توثيق إنساني روائي لنضال فلسطين ضد العدوان الإسرائيلي، ابتداء من عام النكبة 1948 وحتى الآن، ومن عناوين السلسلة “ليالي إشبيلية” و”وجاءته البشرى” وهي روايات تثبت ان فلسطين روح مقدسة تسري في قلوب أبنائها وليست مجرد أرض.

📎 رابط مختصر للمقال: https://www.baladnews.com/?p=1136

موضوعات ذات صلة

البرلمان يعفي أبناء الأسر الفقيرة من المصروفات الدراسية

المحرر

تعرف على حقيقة قطع أشجار المتحف الزراعي

المحرر

وحدة مناهضة العنف ضد المرأة بجامعة القاهرة تختتم فعاليتها

المحرر

وزير الزراعة: الجمعيات التعاونية العمود الفقري للمنتفعين

المحرر

مجلس الشيوخ يوافق على قانون المسؤولية الطبية

المحرر

عودة أولى رحلات الحج السياحي البري بميناء نويبع

المحرر