عربي ودولي

بعد إيقاف العمل بالموازنة.. هذه خسائر سوريا بحكم الأسد

أعلن وزير المالية السوري محمد أبازيد، أن إيقاف العمل بموازنة 2025 التي أقرها نظام الرئيس السابق بشار الأسد جاء نتيجة ‏نسبة العجز الكبيرة فيها والبالغة نحو 12 تريليون ليرة سورية وتغير المعطيات ‏الاقتصادية حاليا.

وقال أبازيد : “الموازنة الإثني عشرية مؤقتة ريثما تكون الظروف الاقتصادية ‏ملائمة لإعداد موازنة عامة للدولة”، مؤكدا أنه “سيتم طرح زيادة خاصة على رواتب المتقاعدين في فترات لاحقة عندما تتضح ‏القوائم المالية الإسمية لهم ويتم تدقيقها”.

وفي هذا السياق يوضح “صوت البلد” في هذا التقرير الوضع المأساوي الذي وصل له الاقتصاد السوري في عهد بشار الأسد.

الاقتصاد بحكم الأسد

يشكّل الاقتصاد تحديًا أساسيًا للقوى السياسية الجديدة في سوريا، ومع سقوط نظام بشار الأسد، في ضوء التركة الثقيلة التي خلّفها حكم حزب البعث وآل الأسد لسوريا، على امتداد العقود الماضية.

تسلّم حافظ الأسد السلطة أواخر عام 1970، ليبدأ عهد الرجل الواحد داخل الحزب الواحد الحاكم للبلاد؛ مما عزز المركزية، ليس فقط في الاقتصاد بل في مناحي الحياة كافة. وفي الحقيقة لم يكن لدى حافظ الأسد برنامج اقتصادي خاص به، ولذلك تبنى أفكار الحزب الذي ينتمي إليه، وأقرها دستوريًا، حيث ذكرت المادة 13 من دستور البلاد أن “الاقتصاد في الدولة اقتصاد اشتراكي مخطط، يهدف إلى القضاء على جميع أشكال الاستغلال”.

ومع رغبة حافظ الأسد بتثبيت حكمه لفترة أطول وسط عمليات انقلاب عسكرية متعاقبة، سعى لكسب الطبقات السورية الأخرى بما في ذلك ما أطلق عليه اسم (البرجوازية الصغيرة) التي تتمثل بتجار ورجال أعمال من الطبقة الصغيرة والمتوسطة، وأطلق الأسد ما يعرف بالتعددية الاقتصادية التي تقوم على عمل القطاع الخاص بجانب الحكومي، بل وأن تجري شراكات بينهم تحت عنوان القطاع المشترك، وهو ما رسم مشهدًا أكثر تفاؤلاً من قبل القطاع الخاص.

تحديات

في فترة الثمانينات واجه حافظ الأسد تهديدًا سياسيًا كاد أن يطيح به، وانعكس هذا التهديد على الواقع الاقتصادي الذي أدى لتراجع الاقتصاد الوطني، وبدأت الليرة السورية تفقد جزءًا من قيمتها، وارتفعت الأسعار بنسبة كبيرة، كما بدأت آثار الاشتراكية المركزية وتعيين المسؤولين بناءً على الولاء وليس الكفاءة تظهر بوضوح في شكل خسائر متراكمة لمعامل الدولة، كما ساهم الصراع بين حافظ ورفعت الأسد في تفريغ خزينة المصرف المركزي؛ الأمر الذي عزز تراجع قيمة الليرة.

وفي ظل واقع اقتصادي وسياسي صعب يواجهه الأسد، ساند الأخير إيران في حربها ضد العراق، مما وضع سوريا تحت حصار وعقوبات اقتصادية، وتوقفت المساعدات الخليجية التي كانت تأتي إلى سوريا في مقابل مساعدات إيرانية على شكل براميل نفط تتدفق بشكل دوري إلى البلاد، وبدأت سوريا تواجه مشاكل على مستوى تأمين القطع الأجنبي وبالتالي الغذاء، مما جعل الأسد يرفع شعارات مثل الاكتفاء الذاتي والتقشف في ظل فساد مستمر تمثل باستغلال مؤسسات الإنتاج العامة، والاعتماد على مواد مهربة -لكسر الحصار- أدت بالنتيجة لمنافسة الصناعات الخاصة الوطنية، وأضعفتها.

وبالملخص يمكن القول إن فترة التسعينات كانت محاولة لإصلاح الاقتصاد السوري عبر ظروف داخلية صعبة، وضغوط خارجية متمثلة بفشل الاشتراكية الدولية، وموجات العولمة والشركات عابرة الجنسية، ورغم تجاوب القطاع الخاص والمستثمرين العرب والسوريين إلا أن الهواجس الأمنية ومنظومة الفساد منعت معظمهم من الاستمرار في العمل.

سوريا وبشار الأسد

تولى بشار الأسد السلطة عام 2000 بعمر 34 عامًا بالاعتماد على البنية الأمنية والسياسية والاقتصادية التي ورثها من والده، ولكن الأسد الابن أتى بخطاب اقتصادي وسياسي منفتح للغاية ويبعث على التفاؤل.

وفي هذا الوقت كانت موارد الاقتصاد السوري الرئيسية تعتمد على مساعدات خارجية (متولدة من استثمار الدور السياسي والأمني السوري في المنطقة) وموارد نفطية تصب في ميزانية الأسرة، مع قطاع خاص ضعيف وبنية اقتصادية عامة ضعيفة مقارنة بدول المنطقة، ومؤسسات إنتاجية حكومية خاسرة.

تقدمت نخبة اقتصادية جديدة للواجهة بدعم من بشار الأسد، وارتكزت إلى نفوذ وأموال جمعها مسؤولون سابقون ورجال أعمال في عهد الأسد الأب، وكانت النخبة الجديدة معظمها من “أبناء آبائهم” الذين ورثوا السلطة والمال معاً.

وسرعان ما أعلن بشار الأسد عن نهج اقتصادي جديد أطلق عليه اسم اقتصاد السوق الاجتماعي، وكأنه يجمع بين رغبة تيارات معينة بالانفتاح والاستفادة من الاستثمارات الخاصة، ورغبة قطاعات أخرى بالحفاظ على الدعم الاجتماعي والحفاظ على هيكل الاشتراكية قائمًا بشكل ما، وبالفعل ظهر أن النخبة الاقتصادية الجديدة سيطرت على معظم الاقتصاد الوطني، في حين أن الحكومة حافظت على مؤسساته العامة مع تقليل الإنفاق على هذه المؤسسات، والحفاظ على الدعم.

في عام 2008 بدأت الحكومة بإظهار شكل أكثر ابتعادًا عما هو “اجتماعي” فرفعت سعر السماد، وتضاعف سعر المازوت ثلاث مرات، لتبدأ مرحلة جديدة في رفع الدعم، في ظل ظروف مناخية لم تخدم قطاع الزراعة؛ تسبب بهجرة مئات الآلاف من المواطنين من دير الزور والمناطق الزراعية ليتركزوا في أطراف المدن الكبرىـ وهو ما عزز ظاهرة العشوائيات والمناطق ضعيفة الخدمات، ورفع من مستويات الفقر، وألقى بضغطه على البنى التحتية في المدن الكبرى دون مساعدات حكومية حقيقية.

تفاقم العشوائيات

يمكن القول إن الفترة التي تسلّم فيها بشار الأسد الحكم وحتى عام 2011، حدث بها انفتاح الاقتصاد السوري على العالم بشكل ملحوظ، وتوسع التجارة الخارجية، وجذب استثمارات لم تكن موجودة في البلاد مثل الاتصالات والانترنت، والعقارات الضخمة.

ظهور فئة من الشباب الذين حكموا الاقتصاد السوري إلى جانب بشار الأسد الذي كان يحكم البلاد من أمثال رامي مخلوف، وكذلك زيادة الهجرة الداخلية وتفاقم ظاهرة العشوائيات، ارتفاع معدلات الفقر، وارتفاع مستوى البطالة بشكل ملحوظ.

أفرزت إصلاحات بشار الأسد ورؤيته الاقتصادية عن ذئاب اقتصادية ابتلعت المقدرات العامة، وهيمنت على معظم نواحي الاقتصاد، ولكن هذه الذئاب نفسها عادت لتدفع ما كسبته في خدمة “المعركة” التي اعتبرتها معركة موجهة ضد مكاسبها بالدرجة الرئيسية، فسلّح كبار رجال الأعمال المحسوبين على الأسد كتائب وفصائل عرفت بالدفاع الوطني، وبدأ بشار الأسد بالاعتماد على زوجته لتطبيق رؤيتها في تطوير الشبكات الاقتصادية التي أبدعتها عند تأسيس الأمانة السورية للتنمية، والتي استخدمت أسلوب الفروع والأغصان لتطوير أعمالها داخل وخارج سوريا، وذلك بعد أن استنزفت معظم رجال الأعمال الذين أفرزتهم مرحلة ما قبل 2011 من أمثال رامي مخلوف الذي تم الحجز على أمواله.

وفي النهاية ومع ومع سقوط حكمه في مطلع ديسمبر 2024 تكشف الأمر عن واقع اقتصادي مأساوي يتمثل بأكثر من 14 مليون سوري يعيشون تحت خط الفقر، وناتج محلي إجمالي لا يكاد يقارن بمساهمة بعض مدن المنطقة في الناتج المحلي الإجمالي لدولها، وليرة سورية بقيمة 15 ألف مقابل الدولار، ومتوسط رواتب حكومية تصل بالكاد إلى 17 دولاراً، وجهاز إنتاجي ضعيف، مع موارد طبيعية مستنزفة، وبنى تحتية مدمرة.

📎 رابط مختصر للمقال: https://www.baladnews.com/?p=4637

موضوعات ذات صلة

غضب الاحزاب : الجامعة العربية ترفض الدفاع المشترك

المحرر

الشتاء يقسو على أطفال غزة.. وفاة أطفال وغرق الخيام

المحرر

لماذا أقال نتنياهو وزير الدفاع من منصبه؟

المحرر

خسائر تاريخية في أمريكا.. هذه محصلة حرائق كاليفورنيا

المحرر

ناقوس الخطر يدق بالسودان.. مجاعة وخسائر بشرية مروعة

المحرر

سوريا الجديدة.. تحديات وشروط صعبة لاسترداد الدولة

المحرر