شؤون سياسية

القدس في كماشة الاستيطان الإسرائيلي

على مفترق جغرافي وسياسي يحدد ملامح المستقبل، تخرج إسرائيل من جديد بخطة استيطانية ليست مجرد أرقام على الورق، بل مشروع كامل لإعادة رسم الخريطة ودفن حلم الدولة الفلسطينية في مهده. خطة بناء 3401 وحدة سكنية في المنطقة المعروفة بـإي1، بين القدس و مستوطنة معاليه أدوميم، ليست سوى خطوة مدروسة لفصل القدس الشرقية عن الضفة الغربية، وإحكام الطوق على المدينة التي كانت دوماً قلب الصراع.

القرار الذي أعلنه وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش، يأتي في توقيت بالغ الحساسية، حيث تتحرك عدة دول أوروبية للاعتراف بالدولة الفلسطينية، بينما تواصل إسرائيل تعميق أنياب الاستيطان وتوسيع رقعة السيطرة.

اللواء يونس السبكي، الخبير الاستراتيجي، يرى أن هذه الخطوة تمثل تصعيداً استراتيجياً مقصوداً، يهدف إلى فرض واقع جديد على الأرض قبل أي مفاوضات مستقبلية. ويضيف: المسألة ليست بناء وحدات سكنية، بل إعادة تشكيل الخريطة السياسية والأمنية، بحيث تصبح أي دولة فلسطينية مستقبلية مجرد جزر معزولة بلا تواصل جغرافي، ما يفقدها مقومات البقاء

من الجانب الأمني، يحذر اللواء السبكي من أن مثل هذه الخطط تعزز بيئة التطرف، وتدفع المنطقة إلى موجات عنف متجددة مشدداً على أن الاستقرار لا يتحقق بسياسة فرض الأمر الواقع، بل بإيجاد حلول عادلة تراعي الحقوق المشروعة لكل طرف.

السبكي يربط هذه الخطوة بخطط أوسع لفرض سيادة أمنية وعسكرية دائمة على الضفة، وهو ما قد يؤدي في النهاية  حسب تقديره  إلى تغيير قواعد اللعبة بالكامل، ليس فقط في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بل في معادلة الأمن الإقليمي برمتها.

 شعار إسرائيل الكبرى 

أما مها الشريف، رئيسة تيار المستقبل ضد العنف والإرهاب، فترى أن مشروع إي1 هو التطبيق العملي لشعار إسرائيل الكبرى الذي يردده نتنياهو وحلفاؤه موضحة أن الاستيطان بهذا الشكل لا يقطع أوصال الأرض فقط، بل يستهدف محو الهوية الفلسطينية للقدس، وفرض سيادة إسرائيلية بالقوة على كل ما تبقى من أراضي الضفة

التحذيرات الفلسطينية جاءت سريعة وحادة. محافظة القدس وصفت الخطة بأنها إعلان حرب شاملة على الأرض والهوية فيما أكد المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة أن الخطوة تهدد الأمن والاستقرار في المنطقة بأكملها، وتفتح الباب أمام تصعيد لا يمكن التنبؤ بنتائجه

أما الشريف، تلفت إلى أن المجتمع الدولي يقف أمام اختبار حقيقي، فإما أن يترجم بيانات الإدانة إلى إجراءات ملموسة، أو يترك المجال مفتوحاً أمام إسرائيل لفرض سيطرتها الكاملة

التاريخ القريب يثبت أن مشروع إي1 ليس جديداً. فقد جُمّد عام 2012 تحت ضغط أمريكي أوروبي، باعتباره تهديداً مباشراً لأي عملية سلام. لكن المناخ الدولي الحالي، وتراجع الضغوط الغربية، أعطى حكومة الاحتلال فرصة لإعادة إحيائه.

 صراع هوية وسيادة

الأرقام تكشف حجم المأساة القادمة: نحو 700 ألف مستوطن يعيشون اليوم بين 2.7 مليون فلسطيني في الضفة الغربية والقدس الشرقية. إضافة آلاف الوحدات الجديدة يعني مزيداً من التوسع في المستوطنات، ومزيداً من القيود على حركة الفلسطينيين، ومزيداً من مصادرة الأراضي الزراعية ومصادر المياه.

الأمم المتحدة، ومعظم القوى العالمية، تعتبر المستوطنات غير شرعية بموجب القانون الدولي، لكن إسرائيل تصر على أنها أراض متنازع عليها، مستندة إلى روايات تاريخية ودينية. وفي ظل الانقسام الدولي، تمضي الجرافات الإسرائيلية قدماً، في حين تتراجع فرص الحل السياسي إلى أدنى مستوياتها.

الشريف بدورها تعتبر أن المسألة لم تعد مجرد مواجهة بين شعبين على أرض، بل صراع هوية وسيادة، ومحاولة لتغيير الحقائق التاريخية والجغرافية التي يعرفها العالم منذ عقود.

ومع كل وحدة استيطانية جديدة، تتقلص المساحة المتبقية للحلم الفلسطيني، ويزداد المشهد تعقيداً. وإذا مضت إسرائيل في تنفيذ مشروع إي1، فإن فكرة حل الدولتين قد تتحول من احتمال سياسي إلى ذكرى تاريخية، تضاف إلى قائمة الفرص الضائعة التي عرفتها المنطقة منذ عقود.

📎 رابط مختصر للمقال: https://www.baladnews.com/?p=5454

موضوعات ذات صلة

ايران تخرب والعرب يعمرون

المحرر

صواريخ الحوثي تربك العمق الإسرائيلي

المحرر

هل تنجح واشنطن في كثر جمود الحرب السودان

المحرر

شبكة تجسس دولية فى قبضة المخابرات المصرية

المحرر

نتنياهو يغلق الباب أمام هدنة مؤقتة في غزة

المحرر

لجنة السويداء: حساب مؤجل أم عدالة منتظرة

المحرر