شؤون سياسية

السوداني يحيل وزراء للقضاء ويتحدى خصومه

 المشهد السياسي العراقي حافل بالتجاذبات، حيث يجد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني نفسه أمام واحدة من أكثر المعارك حساسية منذ توليه المنصب، وهي معركة التعديل الوزاري. ففي خطوة غير مألوفة، أعلن إحالة أربعة وزراء إلى القضاء على خلفية شبهات تتعلق بأدائهم، مع توصية لجنة التقييم الحكومية بإدخال ستة وزراء آخرين في قائمة التغيير. هذه التحركات، التي وصفت بالجريئة، وضعت السوداني في مواجهة مباشرة مع قوى سياسية نافذة، خصوصًا داخل التيار الشيعي، ترى أن بقاء وزرائها في مواقعهم مسألة لا تمس فقط توازناتها داخل الحكومة، بل مستقبلها الانتخابي مع اقتراب موعد الاستحقاق النيابي في نوفمبر المقبل.

السوداني، الذي جاء محمّلًا ببرنامج إصلاحي يرفع شعار محاربة الفساد وتطوير الأداء الحكومي، اصطدم بجدار نظام المحاصصة الحزبية، الذي يفرض على أي رئيس وزراء التنسيق المسبق مع الكتل قبل إجراء أي تعديل وزاري. تلك الكتل، التي رشحت الوزراء وأمنت لهم مقاعدهم، تعتبر أن المساس بمواقعهم تهديد مباشر لنفوذها، ما يجعل أي خطوة إصلاحية محفوفة بالمخاطر السياسية، سواء على مستوى التحالفات الهشة أو على صعيد الشارع الذي بدأ يفقد ثقته في جدوى الإصلاحات.

المحللة السياسية مها الشريف، رئيس تيار المستقبل ضد العنف والإرهاب، ترى أن الأزمة تكشف عن عمق الخلل في النظام السياسي العراقي، فالمحاصصة لم تعد مجرد عقبة أمام الإصلاح، بل تحولت إلى آلية ممنهجة لحماية الفاسدين وإبقاء الوجوه ذاتها في السلطة. وتوضح أن بعض القوى تستغل نفوذها داخل البرلمان لتعطيل قرارات التغيير، عبر الاستجوابات أو التهديد بسحب الثقة، في إطار مساومات سياسية هدفها الأول الحفاظ على المكاسب. وتشير الشريف إلى أن السوداني، رغم محاولاته الجادة، لا يمتلك حتى الآن كتلة سياسية صلبة تدعمه بشكل مطلق، ما يجعله في مرمى ضغوط متعددة الاتجاهات.

أما الدكتور محمد مصطفى، أستاذ العلوم السياسية، فيصف ما يجري بأنه حالة شلل سياسي مقصود، وأن القوى الشيعية المهيمنة داخل الإطار التنسيقي تتعمد عرقلة أي تعديل وزاري قد يضعف قبضتها على الوزارات الإستراتيجية. ويضيف أن إحالة الوزراء إلى القضاء خطوة غير مسبوقة في عمر الحكومة الحالية، لكنها قد تتحول إلى مجرد إجراء شكلي إذا غابت الإرادة السياسية الحقيقية لمحاسبة المتورطين. ويرى مصطفى أن أي تعديل ناجح من شأنه إعادة شيء من الثقة الشعبية، إلا أن الظروف الراهنة تجعل الأمر أقرب إلى معركة نفوذ منها إلى إصلاح مؤسسي حقيقي.

السوداني نفسه لم يخف إحباطه من بطء التغيير، ففي كلمته أمام المؤتمر الأول لتقييم الأداء الحكومي، أكد أن حكومته نفذت ما التزمت به في برنامجها، مشيرًا إلى أن لجان التقييم أنجزت 1135 عملية تقييم نصف سنوية، أسفرت عن إعفاء 41 مديرا عامًا وإنهاء تكليف 89 آخرين. لكنه أقر بأن المحاصصة في تعيين القيادات العليا تظل من أبرز العوائق، داعيا إلى تحييد المناصب عن الحسابات الانتخابية.

ورغم أهمية هذه الإجراءات، يرى مراقبون أن معركة السوداني الحقيقية ليست فقط مع الوزراء الذين أضعف أداؤهم صورة الحكومة، بل مع شبكة سياسية متماسكة تحمي مصالحها بكل الوسائل. ومع اقتراب الانتخابات، تزداد خشية الكتل من أي تعديل قد يكشف إخفاقاتها أو يحد من نفوذها، ما يجعل السوداني أمام اختبار حقيقي: إما أن ينجح في كسر حلقة المحاصصة والفساد، أو أن يعيد المشهد إنتاج نفسه بعد الانتخابات، لتظل الإصلاحات وعودا معلقة تنتظر لحظة حسم قد لا تأتي قريبًا

📎 رابط مختصر للمقال: https://www.baladnews.com/?p=5463

موضوعات ذات صلة

غموض مجهول حول مصير حيدر بعد الضربة الأخيرة

المحرر

دمشق وقسد على صفيح ساخن

المحرر

طهران تغازل واشنطن التفتيش مقابل التفاهم

المحرر

البرلمان يوافق على قانون الإجراءات الجنائية

المحرر

لوس أنجلوس تشتعل.. والمتظاهرون في مواجهة الحرس الوطني

المحرر

لبنان على شفير الفتنة الطائفية بسب الفارين من الحرب

المحرر