شؤون سياسية

سوريا على نار هادئة وايران خارج خارطة الطريق

تمثل سوريا اليوم حالة من الترقب الدولي والإقليمي، حيث تبدو على مشارف خريطة  الطريق الجديدة تتضح معالمها ببطء. بعد عقود من حكم الأسدين، الأب والابن، تلوح في الأفق نهاية حقبة لم تكن يوماً موضع إجماع أو رضا داخلي أو خارجي. المشهد السوري يعاد تشكيله وسط تحديات أمنية وسياسية معقدة، وخلف الكواليس تطبخ الصفقات التي قد ترسم بها حدود النفوذ الجديد في الشرق الأوسط.

نهاية الأسد و البديل

السقوط المفاجئ للرئيس السوري كان دائماً جزءًا من الخطط الدولية، لكنه تأجل طويلاً بسبب عدم وجود بديل جاهز يمكن الوثوق به. ولكن اليوم، يبدو أن المعادلة تغيرت. هيئة تحرير الشام بقيادة أبو محمد الجولاني، التي كانت تدرج سابقاً ضمن التنظيمات الإرهابية، أصبحت فجأة خياراً مقبولاً للبعض كبديل مضمون الولاء

الخبير السياسي في الشؤون الخارجية والدولية، غريب أبو الدهب، يرى أن هذا التحول ليس وليد اللحظة. يقول: هناك رغبة إقليمية ودولية لإعادة تشكيل المشهد السوري بطريقة تحقق الاستقرار الشكلي، مع الحفاظ على مصالح القوى الكبرى. هيئة تحرير الشام هي وسيلة، وليست هدفاً، لتحقيق هذا الاستقرار المؤقت.

أبو الدهب يؤكد أن ما يحدث في سوريا هو جزء من مخطط أوسع لإعادة رسم الخريطة السياسية للشرق الأوسط. إيران لن تكون جزءًا من هذه الخريطة الجديدة، وهذا أمر بات واضحاً من خلال الأحداث الأخيرة في المنطقة، فابرز ملامح الخريطة الجديدة هو التراجع الإيراني الواضح في سوريا. منذ بداية الصراع، لعبت طهران دوراً محورياً في دعم نظام الأسد، سواء عبر الحرس الثوري أو الميليشيات الموالية لها. ولكن يبدو أن هذا الدور يقترب من نهايته. الضغوط الإسرائيلية والأمريكية المتزايدة، إلى جانب التراجع الإيراني الإقليمي بسبب الأزمات الداخلية والخسائر المتتالية في لبنان والعراق، دفعت إلى تقليص النفوذ الإيراني في سوريا.

اللواء أشرف فوزي، الخبير الأمني، يشير إلى أن خروج إيران من المعادلة السورية ليس مجرد قرار سياسي، بل هو ضرورة استراتيجية لتحقيق الاستقرار الإقليمي. إيران كانت تلعب دوراً مزعزعاً للأمن في المنطقة، ومن الطبيعي أن تكون أولى الخطوات لتحقيق الاستقرار هي تقليص نفوذها

ويشير فوزي  إلى أن التحدي الأكبر لسوريا ليس فقط التخلص من إرث الأسد، بل أيضاً بناء دولة وطنية حقيقية تلبي تطلعات الشعب السوري. هذا أمر يحتاج إلى وقت وإرادة دولية ومحلية قوية

صفقات وراء الكواليس

في قلب التغيرات السورية تقف الصفقات الدولية والإقليمية. يرى المحلل السياسي طارق الهواري أن التغيير في سوريا لم يكن نتيجة انتفاضة شعبية أو تحرك داخلي، بل هو نتيجة لتوافق دولي إقليمي. إسرائيل، من خلال الولايات المتحدة، كانت الدافع الأساسي وراء قرار إنهاء حقبة الأسد. هذا القرار لم يكن ليتم دون ضمان مصالح الأطراف الفاعلة، وعلى رأسها تركيا وروسيا، والاخيرة لعبت دوراً محورياً في الحفاظ على نظام الأسد، تبدو الآن أقل حماساً لدعمه. فقد بات واضحاً أن بقاء الأسد لم يعد يحقق مصالح موسكو في ظل التغيرات الدولية والإقليمية. بالمقابل، تركيا التي دعمت المعارضة المسلحة طويلاً، أصبحت شريكاً في صياغة المستقبل السوري، خصوصاً في إدلب، حيث تتمركز هيئة تحرير الشام.

في الشرق الأوسط الجديد بدون إيران في سوريا اصبح جزء من إعادة تشكيل أوسع للشرق الأوسط. الخريطة الجديدة تضعف فيها مكانة إيران لصالح قوى إقليمية ودولية أخرى. إسرائيل، التي كانت دائماً ترى في النظام السوري مصدر تهديد محتمل، تشعر الآن بأمان أكبر مع وجود نظام هش في دمشق لا يشكل أي خطر على أمنها.

مستقبل سوريا

إن المستقبل السوري لا يزال غامضا. على الرغم من التغييرات الجارية، فإن التحديات التي تواجه البلاد هائلة. من انقسام المجتمع إلى التهديدات الأمنية المستمرة، يبقى السؤال هنا هل ستتمكن سوريا من تحقيق استقرار حقيقي أم أن الصراعات ستستمر بوجوه جديدة، كما أن سوريا تطبخ على نار هادئة. القوى الكبرى والإقليمية تعمل على تشكيل المشهد وفق مصالحها، بينما يبقى الشعب السوري هو الضحية الأكبر. وبينما يتم التخلص من النفوذ الإيراني، فإن البدائل لا تبدو أقل سوءاً.، لتبقى سوريا مثالاً حياً على الصراعات الدولية والإقليمية التي تدفع الشعوب ثمنها الباهظ

📎 رابط مختصر للمقال: https://www.baladnews.com/?p=5577

موضوعات ذات صلة

إيران تناور والوقت يوشك أن ينفد

المحرر

بغداد فى مرمى نيران الكونجرس الأمريكي

المحرر

حين تتحول العمامة إلى سلطة

المحرر

غضب الشارع الجنوبي يربك الدبلوماسية الأمريكية

المحرر

أوروبا.. الغائب الأكبر في معادلة الحرب الأوكرانية

المحرر

ترامب يغازل الناخبين المسلمين

المحرر