شؤون سياسية

اسرائيل وخطط التوسع فى العمليات البرية فى لبنان

شهدت الساحة السياسية والأمنية توتراً متزايداً مع إعلان رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، موافقته على خطط لتوسيع العمليات البرية في جنوب لبنان. هذا القرار جاء بالرغم من التحذيرات الدولية المتصاعدة من تداعياته، وفي وقت حساس تشهد فيه المنطقة محادثات متقدمة حول إمكانية وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان. وتؤكد هيئة البث العبرية الرسمية أن الخطط الإسرائيلية الجديدة تشمل تعبئة آلاف الجنود من القوات النظامية والاحتياطية، بالإضافة إلى توسيع “المناورة البرية” لتشمل مناطق أخرى في جنوب لبنان التي ينشط فيها حزب الله.

وحول ذلك، يرى المحلل السياسي محمود الريان أن هذا القرار يعكس توجهها إسرائيليا لفرض سياسة “الأمر الواقع”؛ إذ يهدف لتوسيع السيطرة الميدانية على أراض جديدة في جنوب لبنان بما يعزز من المكاسب العسكرية التي تسعى إسرائيل لتحقيقها في هذه الحرب. ويعتقد الريان أن حكومة بنيامين نتنياهو ترغب في استغلال هذه العمليات لتكريس هيمنتها، والخلق واقع جديد قد يعيق أي محاولات للتهدئة المستقبلية أو التوصل إلى اتفاق طويل الأمد

في المقابل، يشير الدكتور طلعت آدم، المستشار السياسي وعميد الجامعة الأوروبية الدولية، إلى أن هذه العمليات العسكرية تتزامن مع جهود إسرائيلية لإيجاد اتفاق يعيد سكان الشمال في نهاية العام الجاري، ما يعكس تناقضاً صارخاً في الاستراتيجيات الإسرائيلية. فبينما تعلن الحكومة الإسرائيلية عن استعدادها للمفاوضات من أجل وقف إطلاق النار، فإنها تتجه نحو توسيع نطاق الحرب، وهو ما يراه آدم “محاولة مكشوفة” لزيادة الضغط على الجانب اللبناني وحزب الله، وربما محاولة لاختبار مدى تماسك التحالفات الداخلية والخارجية التي تقف في مواجهة إسرائيل

ومنذ اندلاع المواجهات الراهنة، تحذر دول عدة ومنظمات دولية من أن أي غزو واسع النطاق لجنوب لبنان سيؤدي إلى كارثة إنسانية وأمنية تمتد تبعاتها إلى كامل المنطقة. وفي ظل التصعيد المتواصل، أسفرت الغارات الإسرائيلية الأخيرة على عدة مناطق في لبنان عن سقوط عدد من القتلى والجرحى. ففي شرق البلاد، قُتل ما لا يقل عن 12 شخصاً في غارات على بعلبك، وثلاثة آخرون في بلدة القصر، وفق ما أعلنت وزارة الصحة اللبنانية. وفي الجنوب، قُتل ثلاثة مسعفين تابعين للهيئة الصحية الإسلامية التابعة لحزب الله في ضربة إسرائيلية استهدفت مركزهم في بلدة عدلون الساحلية. كذلك، طالت القصف الإسرائيلي بلدة علمات الشيعية في منطقة جبيل، والتي يقطنها أغلبية مسيحية شمال بيروت، وأدى إلى مقتل 23 شخصًا، من بينهم سبعة أطفال.

نتائج عكسية

يصف المحلل السياسي محمود الريان هذا التصعيد بأنه “غير مسبوق”، ويشير إلى أن هذه العمليات قد تعكس رغبة إسرائيلية في كسر إرادة حزب الله واستنزاف قدراته العسكرية، لكن الريان يحذر من أن هذا النهج قد يؤدي إلى نتائج عكسية، خاصة في ظل التصعيد المتبادل. ويضيف أن “حزب الله يمتلك إمكانيات كبيرة وقادرة على إلحاق أضرار جسيمة بإسرائيل، وأن العمليات البرية الإسرائيلية قد تزيد من تمسك حزب الله بخياراته العسكرية، وتدفعه لتصعيد الهجمات ضد إسرائيل

وبالمقابل، يرى الدكتور طلعت آدم أن هذا التصعيد العسكري في لبنان يأتي ضمن استراتيجية أوسع تسعى من خلالها إسرائيل إلى تحقيق أهدافها السياسية على حساب الأمن الإقليمي. ويعتبر أن تل أبيب، بتكثيف للقصف والهجمات، تسعى إلى تحقيق مكاسب استراتيجية تضمن لها التفوق العسكري على المدى الطويل، خاصة وأنها تواجه ضغوطاً داخلية جراء تزايد خسائرها البشرية والمادية

وفي سياق التصعيد، أعلن حزب الله اللبناني يومياً عن قتلى وجرحى في صفوف الجيش الإسرائيلي جراء الاشتباكات التي يخوضها مقاتلوه مع القوات الإسرائيلية في جنوب لبنان، إلى جانب تدمير آليات عسكرية. وقد أقرت إسرائيل بسقوط خسائر بشرية في صفوف قواتها، إلا أنها تحافظ على تعتيم إعلامي حول حجم الخسائر الحقيقية، حيث يخضع الأمر لرقابة عسكرية مشددة

ويذكر أن التوترات بين إسرائيل ولبنان شهدت تصاعدا حادا منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في أكتوبر 2023، والتي أسفرت عن مقتل وإصابة عشرات الآلاف من الفلسطينيين، مما زاد من وتيرة المواجهات على الجبهة اللبنانية، إذ يواصل حزب الله إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة والقذائف المدفعية باتجاه مواقع عسكرية إسرائيلية، بينما ترد إسرائيل بغارات جوية كثيفة وقصف مدفعي على قرى وبلدات الجنوب اللبناني

ويرى محمود الريان أن هذه التطورات تعكس “عودة الحرب التقليدية” إلى المشهد، حيث تقوم إسرائيل بعمليات برية جوية شاملة في محاولة منها لتأمين حدودها الشمالية، بينما يعتمد حزب الله على حرب العصابات والضربات المركزة التي تستهدف نقاطاً عسكرية حساسة. ويشير إلى أن هذا النوع من الحرب، رغم شدته، قد يؤدي إلى إطالة أمد النزاع دون تحقيق نتائج حاسمة لأي طرف.

ضغوط إقليمية ودولية 

من جانبه، يحذر الدكتور طلعت آدم من أن هذه المواجهات قد تتوسع لتشمل أطرافاً إقليمية أخرى، خاصة في ظل التأييد المتزايد الذي تحظى به المقاومة اللبنانية في الشارع العربي والإسلامي. ويضيف أن “إسرائيل إذا استمرت في هذه العمليات، فقد تجد نفسها في مواجهة ضغوط إقليمية ودولية أكبر، قد تحكم عليها المزيد من العزلة

وبينما تحاول إسرائيل فرض واقع جديد في الجنوب اللبناني، تظل التحديات أمامها كبيرة، خاصة في ظل التماسك الذي أظهرته فصائل المقاومة اللبنانية. ويعتقد آدم أن هذا الصمود قد يقوي موقف حزب الله ويزيد من فرصه في تحقيق مكاسب سياسية، ليس فقط في لبنان، بل في المنطقة ككل

📎 رابط مختصر للمقال: https://www.baladnews.com/?p=5641

موضوعات ذات صلة

نعيم القاسم ومسار جديد لإيران أن تريح و تستريح

المحرر

اعلان عباس بحق إسرائيل سيؤدى للمزيد من الاستيطان

المحرر

نائب ليبي يطالب بتدخل روسيا لمنع التدخل الأوروبي

المحرر

شباب مصر يكتبون المجد من قلب الأقصر

المحرر

قانون التصرف في أملاك الدولة.. ماهو أثره ؟

المحرر

طهران تشتعل غضبا من خيانة موسكو

المحرر