شؤون سياسية

إيران وإسرائيل وترقب المواجهة المباشرة: ما بعد طوفان الأقصى

يعيش الشرق الأوسط مرحلة غليان غير مسبوقة عقب عملية “طوفان الأقصى”، التي تركت تداعياتها ليس فقط على الداخل الإسرائيلي، بل أيضًا على العلاقات الإقليمية المعقدة، وعلى رأسها العلاقة بين إيران وإسرائيل. برز الحديث عن مواجهة مباشرة بين الطرفين، لكن حتى الآن، يسعى كل منهما إلى تجنب صدام شامل، معتمدين على حروب غير مباشرة عبر وكلائهما في المنطقة. يعكس هذا النهج حسابات سياسية معقدة، حيث لا تزال الأولويات الإسرائيلية والإيرانية خاضعة لقيود واعتبارات داخلية وخارجية.

كما تتبنى إيران منذ سنوات استراتيجية تقوم على خوض معاركها عبر وكلائها في العراق، سوريا، لبنان، واليمن، مستفيدة من قدرتها على زعزعة استقرار المنطقة دون الانجرار إلى مواجهة مباشرة. يعتبر “حزب الله” في لبنان و”الحوثيون” في اليمن أبرز أدوات طهران، إلى جانب الفصائل الفلسطينية في غزة. هذه الاستراتيجية تسمح لطهران بتحقيق مكاسب إقليمية وتوسيع نفوذها دون تعريض نفسها لضربة عسكرية مباشرة قد تستهدف منشآتها النووية أو بنيتها التحتية الحيوية.

على الجانب الآخر، تسعى إسرائيل إلى إنهاء المواجهات في غزة ولبنان قبل التركيز على الملف الإيراني. كشف “طوفان الأقصى” هشاشة الرهانات الإسرائيلية على “حماس” كأداة لإدامة الانقسام الفلسطيني. اعتبر نتنياهو “حماس” أداة مثالية لإضعاف السلطة الفلسطينية وتكريس الخلاف بين الضفة الغربية وقطاع غزة، معتمدا على دعم مالي قطري يدمر شهريا عبر إسرائيل نفسها. لكن المفاجأة التي شكلتها العملية في 7 أكتوبر 2023، هزت العمق الإسرائيلي وأضعف قوة ردعها التقليدية.

سقوط رهانات نتنياهو على “حماس” و”حزب الله” توضح التطورات الأخيرة أنّ نتنياهو فشل في تقدير المخاطر التي تمثلها “حماس” و”حزب الله”. فبدل أن تكون “حماس” أداة لتكريس الانقسام، أصبحت مصدر تهديد وجودي. أما في لبنان، فقد وسع “حزب الله” دائرة الاشتباك، متسببا في تهجير نحو مليون ونصف مليون لبناني، معظمهم من الجنوب والضاحية الجنوبية، ما خلق أزمة إنسانية وقنبلة موقوتة في الداخل اللبناني. لم تعد إسرائيل قادرة على التعايش مع هذه التهديدات طويلة الأمد، ما دفعها إلى الحديث عن ضرورة استهداف “رأس الأفعى” في طهران.

في غزة، سعت إسرائيل إلى القضاء على البنية التحتية لحماس، مغتالة يحيى السنوار الذي كان العقل المدبر للعملية. أما في لبنان، فقد ألحقت الدمار بالجنوب والبقاع، مستهدفة قيادات بارزة في “حزب الله”. هذه العمليات، وإن حققت مكاسب عسكرية، إلا أنها تركت فراغا كبيرًا يحتاج الحزب إلى تعويضه عبر دعم مباشر من “الحرس الثوري” الإيراني. تهدف إيران من خلال هذه الحرب إلى إبقاء لبنان ورقة تفاوضية في يدها، مستغلة الفراغ السياسي القائم في البلاد.

تسير إسرائيل باتجاه إعادة ترتيب أوراقها في سوريا ولبنان استعدادا للمرحلة المقبلة. إذ تعمل على تعزيز نفوذها في المناطق الاستراتيجية مثل قمة جبل الشيخ، التي تشرف على العمقين السوري واللبناني. ورغم الضربات الجوية الإسرائيلية المتكررة على مواقع إيرانية ومصانع الصواريخ والمسيرات، يبقى الملف النووي الإيراني هو الهاجس الأكبر لإسرائيل بعد “طوفان الأقصى”.

لا يمكن لإسرائيل التصدي للبرنامج النووي الإيراني بمفردها؛ فهي بحاجة إلى تنسيق استراتيجي مع الولايات المتحدة. تبدو المرحلة الحالية مؤجلة لحين وضوح نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية. في حال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، سيكون هناك انفتاح أكبر على التعاون العسكري العميق مع إسرائيل ضد إيران. أما إذا فازت إدارة بقيادة كامالا هاريس، فقد تكون هناك مقاربة أكثر تشددًا تجاه إيران فيما يتعلق بمنعها من امتلاك السلاح النووي.

لاشك أن المواجهة المباشرة مؤجلة لكن حتمية. بالرغم من التصعيد المتبادل، فإنّ كلا الطرفين، إيران وإسرائيل، يسعيان إلى تأجيل المواجهة المباشرة في الوقت الراهن، لكن هذا التأجيل لا يعني إلغاءها. في ظل التطورات الراهنة، يتضح أن رهان نتنياهو على “حماس” و”حزب الله” كان خطأ استراتيجيا، دفع إسرائيل إلى إعادة حساباتها. وتبقى مسألة البرنامج النووي الإيراني هي النقطة المفصلية التي ستحدد مسار الأحداث في المستقبل القريب. ومع ترقب التغيير في الإدارة الأميركية، تبدو المواجهة الحتمية بين إسرائيل وإيران أقرب من أي وقت مضى

📎 رابط مختصر للمقال: https://www.baladnews.com/?p=5669

موضوعات ذات صلة

جثة السنوار تشعل غزة من جديد

المحرر

حاضر ومستقبل حماس في ظل تصاعد التحديات

المحرر

سائق ينقذ مدينة ويدفع حياته ثمنأ

المحرر

غارة نوعية تعصف بالحوثيين وتربك المشهد اليمني

المحرر

حزب الله في مواجهة العقوبات الداخلية

المحرر

اسرائيل وخطط التوسع فى العمليات البرية فى لبنان

المحرر