شؤون سياسية

عائد من الموت ومرشح للخلافة

في خضم التصعيد المستمر بين إسرائيل وحماس، عاد اسم محمد السنوار يطفو على السطح كشخصية مرعبة ومرشحة لخلافة شقيقه، يحيى السنوار، زعيم حماس في غزة، الذي أعلن عن مقتله في قصف إسرائيلي على رفح يوم الخميس، 18 أكتوبر 2024. ومع تزايد التساؤلات حول خليفة محتمل لقيادة الحركة، ظهر اسم محمد كخيار بارز، وفقًا لتقارير عبرية كشفت عن تفاصيل مسيرته وأدواره في التنظيم.

محمد السنوار، البالغ من العمر 49 عامًا، وُلد في مدينة خان يونس بجنوب قطاع غزة. نشأ تحت تأثير مباشر من أحد أبرز مؤسسي حماس، عبد العزيز الرنتيسي، الذي زرع فيه فكر الصرامة والقدرة على نشر الرعب. سُجن لفترات متقطعة، سواء في السجون الإسرائيلية أو التابعة للسلطة الفلسطينية، ما أكسبه صلابة في القيادة وشبكة علاقات قوية مكنته من تعزيز مكانته في حماس.

وفقًا لمصادر محلية، كان محمد مقربا جدًا من شقيقه يحيى، وتشارك الاثنان في العديد من القواسم المشتركة، من بينها الاسم الحركي “أبو إبراهيم”، نسبة إلى ابنيهما الأكبرين. هذه العلاقة القوية بين الأخوين لم تكن فقط عائلية، بل أتاحت لمحمد النفاذ إلى قمة القيادة في حماس دون اعتراض أو تشكيك.

الصعود إلى القمة 

كشف تقرير لموقع “واي نت” العبري عن أن محمد السنوار كان دائمًا محط أنظار الاستخبارات الإسرائيلية، التي حاولت اغتياله عدة مرات. فقد نجا من محاولات قنص، وغارات جوية استهدفت منزله، وحتى من عبوة ناسفة وضعت في جدار بيته. لكن هذه المحاولات عززت صورته كشخصية “لا تقهر”، خاصة بعد شائعات عن مقتله تبين لاحقًا أنها كاذبة.

في 2006، برز دوره بوضوح خلال التخطيط لعملية اختطاف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، وهي العملية التي أدت إلى صفقة تبادل أسرى أطلق بموجبها سراح شقيقه يحيى من السجون الإسرائيلية. ومنذ ذلك الحين، لعب محمد دورا محوريا في تعزيز نفوذ عائلته داخل التنظيم، ما جعله أحد قادة جناح حماس العسكري.

الولاء قبل القدرات

يرى الخبراء أن محمد السنوار يمثل نموذجا للقيادة المبنية على الولاء المطلق لشقيقه يحيى. ووفقا للدكتور يوفال بيتون، الرئيس السابق للاستخبارات في مصلحة السجون الإسرائيلية، فإن يحيى كان يعتمد على الثقة والولاء أكثر من الكفاءة، وهو ما سهل صعود محمد في هرم القيادة.

يضيف بيتون أن السنوار اعتمد على إحاطة نفسه بشخصيات موثوقة، لضمان اتخاذ القرارات دون معارضة داخلية. وقد ظهر هذا جليا خلال مفاوضات صفقة شاليط، عندما حاول الأخوان السنوار معارضة الصفقة، لكنهما واجها ضغوطا من شخصيات بارزة مثل خالد مشعل وصالح العاروري.

الظهور من جديد 

في مايو 2022، عاد محمد السنوار إلى الأضواء بمقابلة مقتضبة مع قناة الجزيرة، ظهر خلالها كظل غامض، مستخدما تقنية إعلامية مشابهة لتلك التي اعتمدها محمد ضيف لسنوات. أكد السنوار في هذه المقابلة أن كل تحذير توجهه حماس لإسرائيل يُحسب بدقة، ما يعكس خبرته في معرفة نقاط ضعف الاحتلال وكيفية استغلالها لتحقيق مكاسب على الأرض.

وفي ديسمبر من العام ذاته، أظهرت لقطات نادرة نشرها الجيش الإسرائيلي السنوار وهو يتفقد شبكة أنفاق تحت الأرض تمتد بالقرب من الحدود مع إسرائيل، برفقة فريق من المهندسين والحراس الشخصيين. هذه الأنفاق تعتبر العمود الفقري لاستراتيجية حماس في التصدي لإسرائيل، ما يعكس الدور المركزي الذي يلعبه السنوار في التخطيط العسكري للحركة.

محمد السنوار ليس فقط شخصية قيادية، بل يعرف بشدتة قسوته في التعامل مع خصومه، سواء داخل أو خارج حماس. فقد أشرف على إعدام قيادات متهمة بالخيانة، مثل محمد شتيوي، الذي وجهت له اتهامات بالتعاون مع إسرائيل وانتقاد قيادة يحيى السنوار.

يقول مصدر في غزة إن “محمد رجل مخيف وقادر على القتل دون تردد. عائلته معروفة بطبعها الحاد، وهو بالذات يتمتع بشخصية مرعبة”. هذا الخوف المتأصل في شخصيته جعله يحظى باحترام وخشية داخل القطاع، حيث اعتاد الناس النظر إلى الأرض عند مروره، تجنبا لأي احتكاك قد يفسر بطريقة خاطئة.

الطريق نحو القيادة

مع مقتل يحيى السنوار وقادة بارزين آخرين مثل محمد ضيف، يبدو أن محمد السنوار هو الخليفة المحتمل لقيادة حماس. وفقًا لمصادر عسكرية إسرائيلية، فقد وضعت مكافأة بقيمة 300 ألف دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى اعتقاله، في إشارة إلى مكانته البارزة في التنظيم.

وتشير التحليلات إلى أن محمد السنوار كان العقل المدبر خلف عملية “طوفان الأقصى”، وهو ما يعزز مكانته كمرشح قوي لخلافة شقيقه. ومع استمرار الحرب، قد يكون السنوار هو الوريث الطبيعي لقيادة حماس، خاصة مع ما يتمتع به من نفوذ وعلاقات وثيقة داخل الجناح العسكري.

بينما تتصاعد التوترات في غزة، يبقى مستقبل محمد السنوار غير واضح. هل سيتولى فعليًا قيادة حماس بعد مقتل شقيقه؟ أم ستظهر خلافات داخلية قد تعرقل هذا الانتقال؟ في كل الأحوال، يبدو أن السنوار سيظل رقما صعبا في معادلة الصراع، بشخصيته التي تجمع بين الولاء المطلق والقسوة التي لا تعرف الرحمةبالاعداء.

ومع استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية في استهداف قادة حماس، ستبقى الأيام القادمة حاسمة في تحديد مصير محمد السنوار ودوره المستقبلي في قيادة الحركة.

📎 رابط مختصر للمقال: https://www.baladnews.com/?p=5687

موضوعات ذات صلة

إيران وإسرائيل وترقب المواجهة المباشرة: ما بعد طوفان الأقصى

المحرر

حين تتحول العمامة إلى سلطة

المحرر

خطط مشبوهة تستغل محنة غزة ضمن أجندات خارجية

المحرر

الاحزاب تثمن العفو عن 54 من اهالي سيناء

المحرر

اعلان عباس بحق إسرائيل سيؤدى للمزيد من الاستيطان

المحرر

جهود عربية ودولية لإحياء السلام في السودان

المحرر