
تُعد منطقة “مأوى الصيادين” بالقباري في حي غرب الإسكندرية نموذجاً حياً للتحول الجذري الذي شهدته العديد من المناطق العشوائية في مصر، فهذه المنطقة، التي كانت لعقود طويلة مرادفاً للحياة الصعبة والظروف المعيشية القاسية، أصبحت الآن جزءاً لا يتجزأ من مشروع قومي ضخم يهدف إلى توفير حياة كريمة لآلاف الأسر.
معاناة الماضي
قبل سنوات قليلة، كانت منطقة “مأوى الصيادين” عبارة عن تجمع سكني غير مخطط، يفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الأساسية من مياه شرب نظيفة وكهرباء وصرف صحي لائق، حيث كان سكانها، ومعظمهم من الصيادين وأسرهم، يعيشون تحت خط الفقر في مساكن عشوائية وبائسة، في مجتمع مغلق بعيداً عن أعين المسؤولين وجولاتهم، إذ كانت المناظر هناك تثير الحزن، حيث البيوت المتلاصقة والممرات الضيقة تعكس واقعاً مؤلماً من التهميش والإهمال.
المنطقة منذ نشأتها الأولى في عام 1963 كـ”عشش صفيح”، عاش قاطنوها وعائلاتهم، واقعاً مريراً اتسم بالفقر المدقع وغياب أدنى مقومات الحياة الكريمة، حيث كان المشهد السائد هناك تطغى عليه سمات العشوائية القاسية، فغالبية المساكن هشّة؛ إذ كانت مجرد “عشش” ومنازل بدائية غير مخططة، قد شيدت من مواد رديئة كالطوب اللبن والصفيح، متلاصقة بشكل عشوائي يفتقر لأي تنظيم هندسي، إذ عانى السكان في تلك البقعة الجغرافية من غياب شبه تام للخدمات الأساسية؛ حيث كانت مياه الشرب النظيفة حلماً بعيد المنال وشبكات الصرف الصحي بدائية أو غائبة تماماً، مما جعل المنطقة عرضة للغرق في مياه الصرف والأمطار، خاصة خلال النوات الشتوية.كما صُنفت المنطقة ضمن المناطق غير الآمنة والمهددة للحياة من الدرجة الثانية، نظراً لعدم صلاحية المباني للسكن والتهديدات البيئية والصحية الكبيرة، وقد عاش أهل المنطقة في عزلة تامة عن باقي أحياء الإسكندرية الحضرية، في مجتمع يعاني من نقص حاد في الخدمات التعليمية والصحية، مما عمق من دائرة الفقر والتهميش آنذاك.
نقلة نوعية
بدأ حلم القضاء على هذه العشوائيات يتحول إلى حقيقة مع انطلاق المبادرات الرئاسية لتطوير المناطق الخطرة وغير الآمنة.، حيث كان مشروع “بشاير الخير” هو طوق النجاة لهذه المنطقة، وتحديداً بمراحله المتعددة التي استهدفت سكان القباري ومأوى الصيادين.
شهدت المنطقة تدشين المرحلة الثالثة من مشروع “بشاير الخير” في عام 2020، والتي كانت مخصصة لإيواء حوالي 6000 أسرة من قاطني العشوائيات في مأوى الصيادين. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تبعتها مراحل أخرى مثل “بشاير الخير 5″، والتي ضمت آلاف الوحدات السكنية الإضافية.
لم يكن الهدف مجرد توفير سكن بديل، بل إنشاء مجتمع حضاري متكامل الخدمات. وقد شملت المشاريع الجديدة في المنطقة؛ وحدات سكنية مؤثثة بالكامل؛ إذ تم تسليم المستحقين وحدات سكنية مجهزة بكافة المرافق والأثاث والأجهزة الكهربائية، حيث الخدمات المتكاملة، والتي تضم نادياً رياضياً، ومدارس، ودور عبادة، ومناطق تجارية وترفيهية، لتتوافر بذلك بنية تحتية محسّنة، ليتم حل مشكلات المرافق الأساسية مثل المياه والكهرباء والصرف الصحي؛ والتي عانى منها السكان طويلاً.
لقد تحولت منطقة “مأوى الصيادين” من بؤرة عشوائية تعاني من البؤس إلى منطقة حضارية تليق بساكنيها، إذ يُمثل هذا التطور إنجازاً كبيراً في إطار الجهود الرامية للقضاء على العشوائيات في الإسكندرية، مانحاً آلاف الأسر الأمل في مستقبل أفضل وحياة كريمة ومستقرة.
تُعد قصة “مأوى الصيادين” بالقباري نموذجاً ملهماً لنجاح الإرادة السياسية والمشاريع القومية في تغيير الواقع المرير، حيث تحولت المنطقة من مكان كان يوصم بالفقر والعشوائية إلى نموذج يحتذى به في التنمية الحضرية المتكاملة، ليعيش أهلها أخيراً في مساكن آدمية تليق بكرامتهم الإنسانية، بعد أن كانوا يصارعون من أجل البقاء في “عشش الصفيح”.
