
باشرت النيابة العامة تحقيقاتها الموسعة في مأساة وفاة الطفل يوسف محمد أحمد عبد الملك، البالغ من العمر اثني عشر عامًا، والذي فارق الحياة خلال مشاركته في بطولة الجمهورية للسباحة داخل مجمع حمامات السباحة باستاد القاهرة الدولي، في واقعة هزت الوسط الرياضي وأثارت موجة عارمة من الحزن والغضب.
منذ اللحظة الأولى، انتقلت النيابة إلى مكان الحادث لمعاينته بدقة، لتكتشف غياب كاميرات مراقبة يمكن أن توضح ما جرى لحظة بلحظة، وعلى الفور انتقلت إلى مقر الاتحاد المصري للسباحة، حيث ضبطت الملف الطبي الخاص بالطفل، إضافة إلى مقطع مرئي يوثق الواقعة كاملة.
كما تحفظت على أجهزة تسجيل كاميرات المراقبة المتاحة لتفريغها، إلى جانب جميع المستندات المنظمة لإجراءات البطولة ومراحلها، وما يتصل بالإشراف الطبي عليها.
وخلال تفريغ المقاطع المصورة اتضح أن يوسف، فور وصوله إلى خط نهاية السباق، فقد وعيه وانهار إلى قاع المسبح دون أن ينتبه إليه أي من المنقذين أو الحكام، وظل الطفل في القاع ثلاث دقائق وأربعًا وثلاثين ثانية كاملة، قبل أن يكتشف غرقه أثناء انطلاق السباق التالي.
وكشفت التحقيقات كذلك عن وجود فريق طبي في محيط المسابقة، يضم طبيب رعاية مركزة وطبيبة تابعة لاتحاد السباحة وسيارة إسعاف.
وانتقلت النيابة إلى مستشفى دار الفؤاد لمعاينة الجثمان، وندبت مصلحة الطب الشرعي لتشريحه وبيان سبب الوفاة، وما إذا كان يعاني من أي حالة صحية تمنعه من المشاركة في مثل هذه البطولات، إضافة إلى التحقق من مدى اتباع الإجراءات الطبية السليمة بعد انتشاله من المسبح.
ضوابط حماية صحة
واستمعت النيابة إلى أقوال والد الطفل ومدربه وولي أمر إحدى المتسابقات، وقد أجمعوا على وجود إهمال جسيم من منظمي البطولة، ومنفذي عمليات الإنقاذ، والحكام، مؤكدين أن هذا التقصير كان سببًا مباشرًا في وفاة يوسف.
كما استمعت النيابة لأكثر من عشرين شاهدًا من قيادات ومسؤولي الرياضة والاتحادات، ومن بينهم المدير التنفيذي لاتحاد السباحة، ومدير البطولة، وعدد من الحكام، ومسؤولون من اتحاد الغوص والإنقاذ، إلى جانب الأطباء الذين تعاملوا مع حالة يوسف، وقد اتفقوا جميعًا على أن الإهمال من الحكم العام وفريق الإنقاذ لعب دورًا رئيسيًا في وقوع الكارثة.
ولم تقف التحقيقات عند هذا الحد، إذ أدلى أعضاء اللجنة المشكلة بقرار وزير الشباب والرياضة بشهاداتهم، مؤكدين عدم التزام الاتحاد المصري للسباحة ونادي الزهور الرياضي بقانون الرياضة وضوابط حماية صحة وسلامة اللاعبين، وخاصة ما ورد في الكود الطبي للاعبين الصادر عام 2024.
نتيجة الإهمال
وقد تأكد ذلك من فحص الملف الطبي ليوسف، الذي خلا تمامًا من الإجراءات الطبية الإلزامية قبل السماح له بالمشاركة.
وفي ضوء ما توصلت إليه التحقيقات الأولية، استجوبت النيابة المتهمين، وأمرت بحبس الحكم العام وثلاثة من أفراد طاقم الإنقاذ احتياطيًا، لتحملهم مسؤولية مباشرة في وفاة الطفل نتيجة الإهمال.
وتواصل النيابة العامة عملها، مستعدة لاستدعاء رئيس الاتحاد المصري للسباحة ومسؤوليه، وكذلك مسؤولي نادي الزهور، إلى جانب انتظار التقرير النهائي للطب الشرعي وسماع القائمين عليه، وكل من تكشف التحقيقات عن صلته بالحادث.
حادثة يوسف لم تكن مجرد خطأ، بل جرس إنذار يدعو إلى مراجعة صارمة لكل منظومة السلامة داخل المنشآت الرياضية، حتى لا تزهق روح جديدة في لحظة كان يفترض أن تكون لحظة فخر وفرح.
