سليدرمنوعات

التوك توك.. فوضى على عجلات

أصبحت مركبات “التوك توك” جزءًا لا يتجزأ من المشهد الحضري والريفي في مصر منذ ظهورها الفعلي الأول في عام 2005، حيث انتشرت بسرعة فائقة كحل عملي لمشكلة النقل في المناطق الضيقة والشعبية التي يصعب على وسائل النقل العام الوصول إليها، ومع ذلك، تحولت هذه الوسيلة من حل لأزمة المواصلات إلى ظاهرة مرادفة لـ”العشوائية” ومصدر للعديد من المشكلات الاجتماعية والمرورية والأمنية التي باتت تؤرق المجتمع المصري وتستدعي تدخلاً حكوميًا حاسمًا.

فوضى على عجلات

تتعدد أوجه المشكلة التي يطرحها الانتشار غير المنظم للتكاتك، حيث يعمل جزء كبير من التكاتك دون ترخيص أو لوحات معدنية، مما يجعلها خارج نطاق السيطرة المرورية، إذ يتجاهل السائقون القواعد المرورية بشكل صارخ، كالسير عكس الاتجاه، والوقوف المفاجئ، والتسبب في اختناقات مرورية وحوادث متكررة.

وترتبط ظاهرة التكاتك ببعض السلوكيات السلبية، مثل قيادة الأحداث والقصر للمركبات، واستخدام بعضها في ارتكاب جرائم أو أعمال بلطجة ومضايقات للمواطنين، مما يهدد الأمن العام. كما يُساهم الانتشار العشوائي للتكاتك في تشويه المظهر العام للمدن والأحياء، بما في ذلك المناطق الراقية التي باتت تشهد تواجدًا كثيفًا لهذه المركبات.

تعمل أغلب هذه المركبات في الاقتصاد غير الرسمي، مما يحرم الدولة من عائدات تراخيص وضرائب كان من الممكن الاستفادة منها، وإدراكًا لخطورة الموقف، اتخذت الحكومة المصرية سلسلة من الإجراءات والقرارات الحاسمة بهدف تنظيم هذه الوسيلة أو التخلص التدريجي منها، حيث أصدرت عدة محافظات، وعلى رأسها القاهرة والجيزة، قرارات نهائية بحظر سير التكاتك في الشوارع الرئيسية والمحاور المرورية الكبرى، مع مصادرة المركبات المخالفة، وتواصل الأجهزة الأمنية حملاتها المكثفة لضبط التكاتك غير المرخصة. كما اتجهت الحكومة إلى منع استيراد المكونات الأساسية للتوك توك (الشاسيه ــ المحرك) لوقف تجميعه محلياً والحد من تزايد أعداده.

كما تم، مؤخراً، إطلاق برامج ومبادرات بالتعاون بين وزارة المالية والجهات المعنية لاستبدال التكاتك القديمة بمركبات أكثر أمانًا وحضارية، مثل سيارات “الميني فان” التي تعمل بالغاز الطبيعي، إذ تُقدم هذه المبادرات حوافز للسائقين لتشجيعهم على الانضمام للمنظومة الجديدة وتوفير مصدر رزقهم بطريقة منظمة.

وفي هذا الإطار؛ يتوجب العمل على وضع إطار قانوني صارم لتنظيم عمل التكاتك في المناطق المسموح بها مثل القرى والنجوع والطرق الضيقة، مع إلزام السائقين بالترخيص والسير في خطوط محددة.

تحديات

لا تزال هناك تحديات كبيرة تعترض طريق التنفيذ الكامل لخطط الحكومة، فكثير من السائقين لا يمتلكون القدرة المالية على تحمل تكاليف الانتقال إلى المركبات البديلة، حتى مع وجود برامج تمويل ميسرة، بالإضافة إلى ذلك، فإن الطبيعة المتشعبة للصناعات المغذية وقطع الغيار تخلق شبكة اقتصادية معقدة تتأثر بأي قرارات حظر شاملة، مما يتطلب حلولاً تراعي البعد الاقتصادي والاجتماعي لملايين الأسر التي تعتمد على هذا العمل كمصدر دخل وحيد.

وعلى الرغم من الفوضى، لا يمكن تجاهل الدور الحيوي الذي تلعبه التكاتك في خدمة شرائح واسعة من المجتمع، فهي توفر خدمة “الميل الأخير” (last mile transportation) لنحو 30 مليون مواطن يوميًا في المناطق العشوائية والريفية التي لا تصلها وسائل النقل العام بسهولة. كما أنها توفر مئات الآلاف من فرص العمل للشباب الذين يعانون من البطالة، وتضخ مليارات الجنيهات في الاقتصاد المحلي شهريًا عبر حركة البيع والشراء والخدمات المرتبطة بها.

نجاح خطط الحكومة يتطلب أكثر من مجرد قرارات إدارية أو حملات أمنية؛ إنه يحتاج إلى مشاركة مجتمعية فعالة، حيث يجب إشراك السائقين وممثليهم في عملية صنع القرار لضمان سماع صوتهم ومخاوفهم، وتطوير آليات للإبلاغ عن المخالفات تضمن الأمان للركاب والسائقين على حد سواء. كما يمكن للمبادرات الأهلية أن تلعب دورًا في رفع وعي السائقين بأهمية الالتزام بالقوانين والسلوكيات الآمنة،  وذلك كما حدث في بعض المبادرات التي استهدفت مكافحة التحرش بين السائقين.

نحو نظام نقل أكثر تنظيماً

الهدف النهائي هو الانتقال من وسيلة نقل عشوائية وغير آمنة إلى نظام نقل متكامل ومنظم يلبي احتياجات المواطنين دون المساس بالنظام العام أو السلامة المرورية، إذ إن استبدال التكاتك بمركبات مرخصة تعمل بالطاقة النظيفة وتخضع للرقابة يمكن أن يحقق التوازن المطلوب بين الكفاءة التشغيلية، والعدالة الاجتماعية، والحفاظ على المظهر الحضاري للمدن المصرية، حيث يتطلب هذا تضافر الجهود بين الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص لضمان عملية انتقال سلسة وعادلة.

تمثل التكاتك وسيلة مواصلات مهمة لبعض المناطق التي يصعب وصول وسائل النقل العام إليها، ولكن غياب التنظيم الصارم هو ما جعلها مرادفة لمفهوم العشوائية في الشارع المصري.

عند التفكير في أي تغييرات تنظيمية تتعلق بوسائل النقل غير الرسمية مثل التكاتك، من الضروري إجراء دراسات تأثير شاملة تأخذ في الاعتبار الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، إذ يجب أن تُقيّم هذه الدراسات الأثر على سبل عيش السائقين، وتكاليف النقل للركاب، والتأثير على حركة المرور والسلامة على الطرق، بالإضافة إلى البصمة البيئية للمركبات، إذ ستساعد هذه الدراسات في تصميم سياسات مستنيرة تقلل من الآثار السلبية غير المقصودة وتضمن تحقيق الأهداف المرجوة بكفاءة.

دور تكنولوجي

يمكن أن تلعب التكنولوجيا دورًا حاسمًا في تنظيم وتحسين وسائل النقل غير الرسمية، حيث يمكن استخدام تطبيقات الهاتف المحمول لتحديد مسارات التكاتك، وتحديد الأسعار، وتحسين السلامة من خلال تتبع المركبات وتوفير آليات لتقييم السائقين، بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تساعد الحلول التقنية في تبسيط عمليات الترخيص والتأمين وتحصيل الرسوم، مما يساهم في دمج هذه الوسائل بشكل فعال في منظومة النقل الحضري الحديثة.

لضمان نجاح أي خطط لتنظيم أو استبدال التكاتك، من الضروري توفير برامج تأهيل ودعم كافية للسائقين، حيث يجب أن تشمل هذه البرامج التدريب على قيادة المركبات البديلة، والتوعية بقوانين المرور، وتوفير خيارات تمويل ميسرة لشراء المركبات الجديدة. كما يمكن تقديم دعم انتقالي لمساعدة السائقين على التكيف مع التغييرات وضمان عدم تضررهم اقتصاديًا بشكل كبير خلال فترة التحول.

شراكة بين القطاعين العام والخاص

لضمان فعالية واستدامة حلول تنظيم التكاتك، لا بد من تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، إذ يمكن للحكومة أن توفر الإطار التنظيمي والبنية التحتية، بينما يمكن للقطاع الخاص، مثل شركات تصنيع المركبات، ومقدمي خدمات التمويل، وشركات التكنولوجيا، أن يقدم الحلول المبتكرة والمنتجات البديلة، حيث إن هذا التعاون يمكن أن يسرع من وتيرة الإحلال ويضمن توفر خيارات تجارية مجدية ومقبولة للسائقين، بدلاً من الاعتماد الكلي على التمويل الحكومي أو المبادرات الأحادية.

لا ينبغي إغفال البعد البيئي في هذه المعادلة، فمعظم التكاتك التقليدية تعمل بمحركات احتراق داخلية قديمة وغير فعالة، مما يساهم في تلوث الهواء والضوضاء في المناطق المزدحمة، حيث إن التحول إلى مركبات بديلة تعمل بالغاز الطبيعي كمبادرة الإحلال أو المركبات الكهربائية، يوفر فرصة كبيرة لتقليل البصمة الكربونية لقطاع النقل، وتحسين جودة الهواء في المدن المصرية، إذ إن هذا التوجه يتماشى مع الالتزامات الدولية لمصر في مجال المناخ ورؤيتها للتنمية المستدامة.

تُعد مشكلة التكاتك عرضًا جانبيًا لغياب التخطيط الحضري المتكامل لسنوات طويلة، والذي أدى إلى نشوء مناطق عشوائية يصعب الوصول إليها بوسائل النقل التقليدية، إذ لا يمكن حل المشكلة بشكل جذري دون معالجة الأسباب الجذرية المتعلقة بالتخطيط العمراني، حيث يجب أن تركز الحلول المستقبلية على تحسين البنية التحتية في هذه المناطق، وتوفير شبكة نقل عام فعالة ومتكاملة تصل إلى كل حي وشارع، مما يقلل الاعتماد الكلي على وسائل النقل غير الرسمية والعشوائية في المقام الأول.

📎 رابط مختصر للمقال: https://www.baladnews.com/?p=8687

موضوعات ذات صلة

الدبلوماسية الرياضية.. جسر التفاهم في عالم متعدد الأقطاب

أيمن مصطفى

إقبال على المتحف المصري الكبير.. ملتقى التاريخ

المحرر

إيراث.. رحلة أبناء الأرض السبعة نحو الخلود

المحرر

الشرقاوي: إنشاء وحدة تعقيم للنباتات الطبية والعطرية

المحرر

تراكم القمامة يغتال جمال الإسكندرية

أيمن مصطفى

الأحزاب تشيد بإحباط مخطط حسم الإرهابي

المحرر