البلد خانةسليدر

جشع المراكز الطبية الخاصة بالإسكندرية.. الأسعار “نار”

في ظل الأعباء الاقتصادية المتزايدة، يجد المرضى أنفسهم في مواجهة تحدٍ جديد لا يقل ضراوة عن المرض نفسه؛ ألا وهو الارتفاع “الجنوني” لأسعار الخدمات الطبية المقدمة في بعض المراكز والعيادات الخاصة، لا سيما في مناطق حيوية بالإسكندرية، مثل ميامي، والعصافرة، والمندرة، حيث إنه في ظل غياب رقابة فعالة وموحدة على تسعيرة الكشف والعلاج، أصبح المريض “محتاراً” بين جودة الخدمة التي قد لا تتناسب مع سعرها الباهظ، وبين البحث عن بدائل قد لا تضمن الكفاءة المطلوبة.

واجهة طبية بأسعار “النخبة”

تُعد منطقة ميامي، مركزاً طبياً بامتياز، يضم عشرات العيادات والمراكز المتخصصة، لا سيما في مجال طب الأسنان والتجميل، حيث يجذب الموقع الأسر القاطنة في مناطق شرق الإسكندرية الراقية، إلا أن الأسعار هنا تلامس سقف التوقعات بارتفاعها الكبير، إذ يشتكي العديد من المرضى من أن الكشف الأولي في بعض مراكز الأسنان قد يتجاوز الـ 500 جنيه بسهولة، بينما ترتفع تكلفة الإجراءات المعقدة مثل زراعة الأسنان أو تقويمها إلى أرقام “فلكية” لا تتناسب مع متوسط دخل المواطن العادي. وفي غياب تسعيرة موحدة من نقابة الأطباء أو إدارة العلاج الحر بوزارة الصحة، يُترك تحديد السعر لتقدير الطبيب أو المركز، مما يفتح الباب أمام تفاوت كبير وغير مبرر في التكاليف.

الكثافة السكانية 

في مناطق مثل دوران “جيهان” بميامي، العصافرة، المندرة، وفيكتوريا بشارع جمال عبدالناصر، حيث الكثافة السكانية العالية والطلب المتزايد على الخدمات الصحية، تزداد حدة المشكلة، حيث تنتشر المراكز الطبية والعيادات بكثرة، لكنها تعمل في بيئة أقرب إلى “السوق الحرة”، فهنا، لا يقتصر الأمر على الأسعار المرتفعة فحسب، بل يمتد ليشمل شكاوى من تفاوت في مستوى الخدمة والرعاية المقدمة، فبعض العيادات قد تقدم عروضاً لجذب المرضى، لكنها قد تفتقر إلى الأجهزة الحديثة أو الكفاءات المتخصصة في جميع تخصصات طب الأسنان، مثل طب جذور الأسنان أو جراحة اللثة. بينما تفرض مراكز أخرى أسعاراً “نارية” بحجة استخدام خامات أوروبية أو تقنيات حديثة، مما يضع المريض في حيرة من أمره حول الخيار الأنسب لحالته المادية والصحية.

شهادات حية

لا تقتصر الأزمة على الأرقام المجردة، بل تتجسد في قصص إنسانية مؤلمة، حيث يقول “أحمد محمد”، موظف حكومي مقيم في المندرة، إنه اضطر إلى خلع ضرس مصاب بالتسوس العميق بعد أن طالبته إحدى العيادات الخاصة في منطقة دوارن جيهان بشارع جمال عبد الناصر بميامي بمبلغ يتجاوز 4000 جنيه لعلاجه وحشوه.

وأضاف: “لم يكن أمامي خيار آخر، المستشفيات الحكومية مواعيدها بعيدة جداً، والخاص يطلب مبالغ لا أستطيع توفيرها. صحتي أصبحت سلعة باهظة الثمن”، مشيراً  _ بنبرة يائسة _ إلى أن هذه الشهادات تبرهن على أن غياب الرقابة لا يمثل مجرد مخالفة إدارية، بل هو تهديد مباشر للصحة العامة للمواطنين.

ارتفاع التكاليف أم غياب الضمير؟

يعزو بعض أصحاب المراكز الطبية هذا الارتفاع إلى زيادة تكاليف التشغيل، بما في ذلك أسعار الخامات المستوردة، وتكلفة الأجهزة الطبية الحديثة، وإيجارات العيادات المرتفعة في مناطق حيوية كالتي ذكرت، ومع ذلك، يؤكد مراقبون أن هامش الربح في القطاع الخاص مبالغ فيه أحياناً، وأن غياب “تسعيرة استرشادية” ملزمة من قبل النقابات المعنية يمنح بعض الأطباء والمستثمرين الضوء الأخضر للمغالاة، حيث إن تحول الطب من رسالة إنسانية إلى مشروع تجاري بحت هو جوهر الأزمة التي تدفع فاتورتها الطبقات المتوسطة ومحدودة الدخل.

الضحية الدائمة

النتيجة المشتركة في جميع هذه الحالات الواقعية، هي أن الضحية الأولى والأخيرة هو المريض الذي يبحث عن الشفاء، حيث يضطر الكثيرون إلى تأجيل العلاج أو البحث عن بدائل أقل تكلفة قد تكون أقل جودة، مما يعرض صحتهم لمخاطر أكبر على المدى الطويل.

لقد أعلنت وزارة الصحة في بعض الأحيان عن حملات رقابية وإغلاق لمنشآت طبية غير مرخصة يديرها أشخاص ينتحلون صفة أطباء، إلا أن هذه الحملات تبدو غير كافية لمواجهة الفوضى العارمة في تسعير الخدمات بالقطاع الخاص ككل، حيث يطالب المواطنون بضرورة تفعيل دور الرقابة الصحية بشكل أكبر، ووضع معايير واضحة وملزمة للأسعار تضمن حصول الجميع على حقه في رعاية صحية كريمة وعادلة.

تسعيرة إلزامية وتكثيف الحملات

لمواجهة هذا الوضع المتفاقم، يقترح خبراء في القطاع الصحي مجموعة من الحلول العاجلة، حيث يجب على نقابة الأطباء بالإسكندرية ووزارة الصحة تفعيل قرار “التسعيرة الاسترشادية الإلزامية” للخدمات الطبية، وتحديثها بشكل دوري لتتناسب مع التكاليف الفعلية مع مراعاة البعد الاجتماعي. كما ينبغي أيضاً تكثيف الحملات التفتيشية المفاجئة على المراكز والعيادات في مناطق شرق الإسكندرية بالعصافرة والمندرة ودوران جيهان وسموحة لضبط المخالفين، ليس فقط من حيث الترخيص، بل وأيضاً من حيث الالتزام بالأسعار المعلنة والمعايير الطبية، وأخيراً، يجب توعية المواطنين بحقوقهم وكيفية تقديم شكاوى رسمية ضد أي مغالاة في أسعار الخدمات الطبية المقدمة من قبل المراكز الخاصة.

في ظل هذه الأزمة، يبرز الحديث عن أهمية نظام التأمين الصحي الشامل كحل جذري طويل الأمد، فالمواطن المؤمن عليه يمكنه الحصول على خدمات طب الأسنان بتكلفة مخفضة أو شبه مجانية عبر الشبكة الطبية المتعاقد معها، إلا أن التطبيق الكامل والشامل لهذا النظام لا يزال في مراحله الأولى ويحتاج إلى وقت ليصل لكافة شرائح المجتمع في الإسكندرية. وفي الوقت الراهن، تظل شريحة كبيرة من المواطنين تعتمد إما على الدفع النقدي المباشر في القطاع الخاص أو المستشفيات الحكومية المزدحمة، مما يجعلهم عرضة مباشرة لجشع السوق وغياب الرقابة السعرية.

ضغط لا يرحم

على الرغم من وجود مستشفيات ومراكز حكومية تقدم خدمات طب الأسنان بتكلفة رمزية، إلا أنها تعاني من ضغط هائل ونقص في بعض التجهيزات والموارد البشرية أحياناً، حيث يضطر المريض للانتظار لأسابيع أو حتى أشهر للحصول على موعد لإجراء بسيط، مما يدفعه دفعاً نحو القطاع الخاص كحل أسرع، حتى لو كلفه ذلك مدخراته، حيث إن هذه الفجوة بين سرعة الخدمة في الخاص وتكلفتها الباهظة، وبين انخفاض التكلفة في الحكومي وبطء الخدمة، هي المساحة التي تنمو فيها مشكلة غياب الرقابة وتتحول إلى عبء مجتمعي حقيقي.

في الختام، يوجه سكان الإسكندرية، ولا سيما قاطني المناطق الشعبية والحيوية مثل العصافرة والمندرة وسيدي بشر، مناشدة عاجلة إلى وكيل وزارة الصحة بالإسكندرية، بضرورة التدخل الفوري لتنظيم سوق الخدمات الطبية الخاصة، حيث إن الحق في الرعاية الصحية المناسبة ليس رفاهية، بل حق دستوري أساسي يجب أن يكون مكفولاً للجميع بأسعار عادلة ومراقبة، فالكشف والعلاج حق، وليس امتيازاً طبقياً مرهوناً بالقدرة المادية.

 

 

📎 رابط مختصر للمقال: https://www.baladnews.com/?p=9116

موضوعات ذات صلة

اقتراع في 20 دائرة بـ7 محافظات ضمن المرحلة الأولى لانتخابات النواب

أيمن مصطفى

الزراعة: خطة جديدة لحماية الثروة الحيوانية

المحرر

سمير الفيل: أكتب وعيني على الطبقات الفقيرة

أيمن مصطفى

شيخ الأزهر يقود الحوار العالمي نحو سلام دائم

محمود على

علماء نفس يحللون واقعة فيديو طبيبة كفر الدوار

المحرر

الزراعة: القطاع يستهلك 80% من الموارد المائية

المحرر