بعدما أثار كتاب “كاملات عقل ودين” للكاتبة أسماء عثمان الشرقاوي موجة واسعة من الجدل، بتركيزه على ستة أحاديث نبوية زعمت أنها تنتقص من مكانة المرأة وتُسيء إليها. قوبل هذا الطرح بردود فعل كبيرة من متخصصي الحديث وعلوم السنة. يرون أن ما قدمته المؤلفة هو نتاج قراءة سطحية للنصوص، تفتقر إلى التعمق في مقاصدها الحقيقية، وتُغفل ضرورة الرجوع إلى أهل العلم والاختصاص لفهمها الصحيح. هذا الجدل يسلط الضوء على أهمية الفهم الدقيق للنصوص الدينية، خاصة فيما يتعلق بقضايا حساسة مثل مكانة المرأة في الإسلام.
فهم قاصر وإثارة للجدل
أكد الدكتور أحمد عطا، أستاذ الدراسات الإسلامية وعلوم الحديث بجامعة القاهرة، أن هذه الأحاديث صحيحة ولا شك فيها، إلا حديث “لولا حواء لم تخن أنثى زوجها”، فهو مختلف فيه من جهة بعض الروايات، ومع ذلك فهذه الأحاديث في جملتها لا تنقص مطلقا من شأن المرأة، ولكن المشكلة كلها تكمن في فهمها على النحو الصحيح الذي أراده الرسول ﷺ، فعلى سبيل المثال حديث “النساء ناقصات عقل ودين” قد يعتقد عوام الناس فيه إهانة وانتقاص من شأن المرأة، بينما حقيقة المعنى يتصل بمعنى “العقل” و”الدين”.
وأوضح عطا أن المقصود بـ”العقل” ليس التعقل، وإنما أن المرأة يغلب عليها العاطفة، وهذا يتناسب مع وظيفتها التي تقتضي الحنان والحب؛ فهي دفء البيت ومصباحه، عكس الرجل الذي يغلب عليه العقل والخشونة نظرا لوظيفته في الحياة التي خلق من أجلها. وكذلك صفة “الدين” فالحديث يصف شيئا واقعيا يحدث للمرأة كل شهر يجعلها تتوقف عن الصلاة والصيام، ولا تؤاخذ المرأة على ذلك.
وشدد على أن مشكلة هذه الاحاديث في فهم معناها ومراد الرسول ﷺ منها. أما الإسلام فقد أعلى من شأن المرأة، وجعل لها كرامة وعزة واختيارا وحقوقا ونصيبا في الميراث، منها قوله تعالى في الآية 228 من سورة البقرة “ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف…”، وحتى عندما قال الله عز وجل “الرجال قوامون على النساء…” النساء: 34، فقد كان سبحانه يقصد بالقوامة مسؤولية الرجل، فالمرأة لها وظيفة مقدسة في تربية أبنائها، والرجل هو مصدر النفقة والرعاية والحماية.
ونصح كل من ليس على علم بالشرع ألا يخوض في السنة النبوية المشرفة إلا بعد الرجوع إلى المختصين فيه مصداقا لقوله تعالى “فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون” النحل: 43، فقد يؤدي الخوض في هذه الأحاديث إلى إثارة الجدل، النابع من قلة الفهم أولا، وقد يحمل أهدافا مغرضة للنيل من المجتمع، وتفتيت الأسرة.
الأحاديث صحيحة سندًا ومتنًا
وقد نوه الدكتور يوسف العطفي، أستاذ الحديث وعلومه إلى أن الأحاديث التي أوردتها المؤلفة صحيحة لا مطعن فيها سندًا أو متنًا، وأكثرها مرويٌّ في الصحيحين، لكن الإشكالية في عرضها أنَّ من يطعن بها في الإسلام يستند على مجرد قراءتها دون تحقيق لمعانيها، أو تدقيق في مفهوم.

المحررة مع د. أحمد عطا مع محررة “صوت البلد”
فيما رفض الدكتور محمد إبراهيم العشماوي، أستاذ علوم الحديث بجامعة الأزهر ردَّ أي حديثٍ ثبتت صحته عن النبي ﷺ رفضًا قاطعًا ، مهما كانت المبررات، لأن المشكلة ليست في الحديث ذاته، فالنبي ﷺ لا ينطق عن الهوى، وإنما هو وحي يوحى، وكل ما يقوله حق وصدق. إنما تكمن المشكلة في فهم النص، فقد يفهمه بعض الناس فهمًا خاطئًا، مما يؤدي إلى تصورهم أن النص نفسه غير صحيح، بينما العيب في الفهم، ومسألة أن يرد كاتبا او مؤلفا حديثا ثابتا عن النبي ﷺ، لا تجوز، وهذا الباب لو فتحناه على مصراعيه، فكل إنسان لا يعجبه حديث سيرده.
وأشار إلى أن ردُّ الأحاديث أو نقدها، هو منهجٌ له ضوابطه وعلماؤه والمتخصصون فيه. وكان الأولى قبل رفض حديثٍ ما، أن يُسأل أهل العلم عنه، هل فيه إشكال أم لا؟ وهل يحمل إهانة للمرأة أم لا؟ فقد تناول العلماء هذه الأحاديث قديمًا، وشرحوا معانيها تأويلًا صحيحًا. وعلى سبيل المثال، الحديث القائل: “لن يفلح قومٌ ولَّوا أمرهم امرأة”، ورد في سياق خاص وهو حديث بنت كسرى، وليس قاعدةً عامة. وكذلك الحديث “المرأة تُقبل في صورة الشيطان وتدبر في صورة الشيطان”. فالمعنى هنا مجازي، وليس المقصود به أن المرأة شيطانٌ حقيقي، وإنما المقصود أن الشيطان يُزيّنها في أعين الرجال، لمن تقبل عليه ولمن تدبر عنه، ويتعرض للإغراء، وهذا الإغراء نفسه من الشيطان، تمامًا كما نقول عن شخصٍ ذكيٍّ: “فلان عفريت”، وليس المقصود أنه جنيّ فعليّ.
وأضاف أن حديث “ناقصات عقل ودين”، قد ورد في سياقٍ معين، والمقصود به أن المرأة يغلب عندها جانب العاطفة على العقل، وليس انتقاصًا من قدرها أو إمكانياتها، بل إن الواقع يثبت أن المرأة قد تتفوق على الرجل في مجالاتٍ عدة. مؤكدا أن تأويل الأحاديث الصحيحة أولى من ردّها، وهذا منهج أهل العلم.
وأعزى موقف المؤلفة إلى عدم فهمها السليم للنص، فإن كانت الكاتبة قامت بقدر كبير من البحث والتحري وعندها مؤهلات لفهم النصوص لم تكن قرأت النصوص كما فعلت، وكانت استطاعت تأويلها كما فعل العلماء.
قراءة سطحية للأحاديث النبوية
وأوضح الدكتور محمد حسن قنديل، أستاذ الحديث وعلومه، أن الأحاديث التي أوردتها الكاتبة في كتابها “كاملات عقل ودين” هي أحاديث صحيحة تمامًا. لا يوجد أي مطعن فيها، سواء من حيث صحة السند أو صحة المتن، بل إن أكثرها مروي في صحيحي البخاري ومسلم، وهما أصح كتب السنة النبوية.
غير أن الإشكالية الحقيقية لا تكمن في صحة الأحاديث، بل في طريقة عرضها وتفسيرها. فمن يطعن في هذه الأحاديث، يستند إلى مجرد قراءة سطحية للنصوص، دون بذل الجهد اللازم في تحقيق معانيها العميقة أو التدقيق في مفاهيمها ومقاصدها الشرعية. وهذا النهج غير صحيح بالمرة، فالفهم السليم لا يمكن أن يتم إلا بالرجوع إلى أهل الاختصاص والعلماء الراسخين في علوم الحديث والفقه، الذين يمتلكون الأدوات والمعرفة اللازمة لفهم هذه النصوص ووضعها في سياقها الصحيح. وهذا هو السبيل الوحيد لتجنب الفهم الخاطئ والوقوع في شبهات لا أساس لها.
