تُمثل الصكوك السيادية الخضراء وسيلة فعالة لمواجهة تحديات التغير المناخي وتحقيق تنمية مستدامة، إذ إنه مع التزام الحكومات والشركات بتطوير البنية التحتية المستدامة؛ فمن المتوقع أن تلعب هذه الأدوات دورًا محوريًا في بناء مستقبل أكثر استدامة، حيث إن تلك السندات تُعتبر من الأدوات التمويلية المبتكرة التي تُصدرها الحكومات أو المؤسسات لتمويل مشاريع بيئية مستدامة تهدف إلى تحقيق فوائد اقتصادية واجتماعية وبيئية، كما تُعد هذه السندات وسيلة لجذب الاستثمارات نحو الاقتصاد الأخضر وتقليل الأثر البيئي السلبي.
السندات الخضراء هي أوراق مالية ذات دخل ثابت تُستخدم لتمويل مشاريع تسهم في حماية البيئة، ويمكن أن تشمل هذه المشاريع مصادر الطاقة المتجددة، كفاءة الطاقة، النقل النظيف، إدارة الموارد المائية، وإعادة التدوير، إذ تتميز هذه السندات بشفافية كبيرة، حيث يُطلب من الجهة المُصدرة تقديم تقارير دورية عن كيفية استخدام الأموال المجمعة وتأثير المشاريع على البيئة.
وفي هذا الصدد؛ قال د. عمرو يوسف، أستاذ الاقتصاد والتشريعات المالية المساعد بأكاديمية الإسكندرية للإدارة والمحاسبة: يضع المجتمع الدولي حاليًا نصب أعينه وعلى رأس أولوياته القضايا البيئية وتغيرات المناخ، وهو الأمر الذى جعله يستحدث ما يسمى بالصكوك السيادية أو ما يطلق عليه السندات الخضراء نتيجة لوضع أجنده دولية خاصة تهتم بقضايا البيئة والحفاظ على المناخ أملاً في تحقيق استدامة الحياة بجميع أشكالها على سطح الكرة الأرضية.
د. عمرو يوسف
وأضاف في تصريحات لـ(صوت البلد): أن البنك الدولي قد عرف السندات الخضراء بإنها عبارة عن صكوك استدانه يتم إصدارها بغرض تمويل المشروعات الخاصة بالبيئة والمناخ، على أن توجه تلك المشروعات نحو الاستثمار في الطاقة النظيفة والحفاظ على المناخ وإدارة النفايات، وبالرغم من تقارب الشكل القانوني مع مثيلاتها من السندات والصكوك الأخرى؛ إلا أنها تختلف عنها في مسألة الإلتزام الناتج من خلالها في توجيه انفاق التمويل الناتج عنها وحصره فى المشروعات الخضراء فقط.
وتابع أستاذ الاقتصاد والتشريعات المالية: أوضح التقرير الخاص بمبادرة سندات المناخ الصادر عن البنك الدولي أن الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وفرنسا على قائمة الدول الأكثر تصديرا للسندات الخضراء مع ملاحظة ازدياد معدلات الاستثمار عالميًا في تلك السندات، مما يعكس معه التوجه الدولي نحو استهداف تلك الصكوك الخضراء لمستقبل قريب أكثر استدامه عبر الاهتمام بقضايا البيئة والمناخ. وفي الأصل تتعدد مزايا تلك السندات كونها أداة مستحدثة قادرة على جذب رافد جديد من الاستثمارات، فضلاً عن قدرتها على زيادة الوعي بالقضايا المناخية والبيئية من خلال المشروعات التي تساهم في مواجهة التحديات الخاصة بالتغييرات المناخية والبيئية.
أداة تمويلية
وأكمل: وبشأن الأثر الاقتصادي لتلك الإصدارات الخاصة على الدول؛ فتعد تلك الصكوك كغيرها من الصكوك التقليدية، أحد أهم أدوات التمويل، بالإضافة إلى وظيفتها ذات الطبيعة الخاصة فهي أداة جديدة من أدوات الدين العام؛ حيث تتنوع من خلالها أدوات الدين بالسندات للتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، لتجذب معها بذلك شريحة كبيرة وجديدة من المستثمرين، فضلاً عن إحلال الديون طويلة الأجل بأخري قصيرة الأجل واستهداف خاص بخفض الدين العام للدول النامية.
وأوضح أستاذ الاقتصاد والتشريعات المالية، أن مصر تُعد أولى دول منطقة الشرق الأوسط وشمال القارة السمراء، التي حذت حذو الدول المهتمة بقضايا البيئة والمناخ، حيث يتضح ذلك جليًا من خلال ما أصدرته وزارة المالية سبتمبر 2024 من صكوك خضراء سيادية بقيمة تجاوزت 700 مليون دولار والمخصصة عوائدها للمشروعات الخضراء، إضافة إلى ذلك فقد تم وضع خطة مركزة قائمة على زيادة الإستثمار من خلال دعم مشاريع البنية التحتية، فضلاً عن إنشاء محطات جديدة لتحلية المياه، وإنشاء أول مصنع للهيدروجين الأخضر بالشراكة مع كبري الشركات العالمية، بما يعكس معه جهود الدولة المصرية نحو استيعابها لأهمية الاستثمار تحت رداء الاقتصاد الأخضر.
تنشيط الاستثمار
وأشار “يوسف” إلى أنه إطار اهتمام مصر بذلك؛ فقد أطلقت الحكومة، مؤخرًا،حزمة كبيرة من القوانين الخاصة بالاستثمار الأخضر، تمنح العديد من الحوافز لتنشيط وتشجيع الاستثمار من خلال تفعيل دور القطاع الخاص بهدف توجيه العمل للاستثمار في المشروعات صديقة البيئة، حيث أُقرت بعض الحوافز الضريبية للمشروعات والاستثمارات في قطاع الكهرباء والطاقة المتجددة، بالإضافة إلى وضع حد زمني فاصل للبت في جميع طلبات الاستثمار الأخضر، خلال مدة زمنية لا تتجاوز 20 يومًا، فضلاً عن إطلاق حزم من الحوافز الأخري غير الضريبية لمشروعات دعم التحول لإستخدام الطاقة النظيفة بهدف استفادة المشروعات من مصادر التمويل الدولية والإقليمية الأخرى.
وفي خطوة هامة وغير مسبوقة نحو تمكين القطاع الخاص من خلال دعم وجذب الاستثمارات فقد أطلقت مصر، مؤخرًا، حوارًا مجتمعيًا حول ما يعرف بوثيقة أملاك الدولة، والتي تستهدف رفع معدلات الاستثمار الخاص بقيم تتراوح من 25% إلى 30% من خلال تخارج الدولة من بعض القطاعات الاقتصادية؛ تاركةً المجال الاستثماري للقطاع الخاص بنسب مشاركة تصل إلى 65%، وذلك عبر خطة زمنية محكمه وفقًا لشروط وآليات خاصة مما يساههم في تحقيق معدلات نمو اقتصادي كبيرة، فضلاً عن تمكين وزيادة مساهمة القطاع الخاص في إجمالي الناتج المحلي والاهتمام بمجالات الاستثمار خاصة تلك المتعلقة بالاقتصاد الأخضر.
