ثقافة وأدب

خبراء يرسمون سبل تحقيق التراث العلمي ونشره

يُعد التراث الفكري هو ذاكرة الأمة التي تشكل حاضرها وتبني مستقبلها. وتذخر مصر برصيد ضخم من التراث الفكري بمختلف مجالاته سواء لغوي أو فلسفي أو أدبي أو تاريخي، فضلًا عن تراثها في المجال العلمي الذي استغلته أوروبا ليكون منارتها في العصور الوسطى، وبنت عليها نهضتها الحديثة. وما زال تراث العلماء المسلمين الأوائل يدرس حتى الآن في الجامعات الأوروبية، في حين أهملته الجامعات المصرية التي تفتقد تدريس تاريخ العلوم.
وأفاد مثقفون وخبراء بأن التراث الفكري يتم تحقيقه بشكل مرضي في جميع المجالات باستثناء المجال العلمي، الذي يحتاج إلى التعامل معه بعقلية رشيدة تبدأ من التعليم وتدريس تاريخنا وتراثنا العلمي بالجامعات لتخريج متخصصين قادرين على تحقيق التراث ونشره بشكل يليق بمكانته ويدعمنا لبناء مستقبل أفضل.


د. أيمن فؤاد سيد

يرى الدكتور أيمن فؤاد سيد رئيس “الجمعية المصرية للدراسات التاريخية”، أن الإنتاج الفكري التراثي العربي والإسلامي يُنشر حاليًا بشكل جيد، وأن المستشرقين هم الرواد في نشره، مشيرًا إلى أن مؤسسات مثل “المعهد الألماني في بيروت” الذي يصدر عنه سلاسل النشرات الإسلامية ، و”المعهد الفرنسي في القاهرة”، و”دار نشر بريل” في ليدن بهولندا، وغيرها، تعتني بنشر النص نفسه مُحقق.

التراث الإسلامي
وأوضح أن هناك نوعين من التراث الإسلامي، هما التراث الديني العقائدي، وهذا يلتزم به كل المسلمين، وهناك التراث الحضاري، مثل الإنتاج التاريخي والمؤلفات التي لها علاقة بالدول التي حكمت مصر، وكذلك الأدب الشعبي، مؤكدًا أن المنتج الخاص بالتراث الحضاري في المغرب يختلف عن المنتج في المشرق، ويختلف عنه كذلك المنتج في مصر.
وبين أن الكثير من الدول العربية تهتم حاليًا بنشر التراث الإسلامي مثل: العراق، وسوريا، والمغرب، وكذلك هناك نشاط في الخليج، مع الاهتمام بشكل أكبر بالجانب الديني في التراث.
وتابع: “كلما زاد التخصص في المجالات الفكرية للتراث مثل التاريخ واللغة والعقيدة، زاد النشر، وكلما قل التخصص قل النشر. ونحن نحتاج إلى التراث الفكري بشكل عام وننشر كل ما له قيمة ويضيف إلى معارفنا فقط”.
وأشار إلى قلة النشر في التراث العلمي، مرجعًا ذلك إلى نقص وجود متخصصين، حيث أن العاملين في مجال الكيمياء والطبيعة والفيزياء بعيدين عن التراث التاريخي للعلم، فلا يوجد لدينا تخصص تاريخ العلوم في الجامعات، ولكن في أوروبا هناك أقسام لدراسة تاريخ العلوم، ومدى تأثير العلم القديم في العلم الحديث.

د. أحمد فؤاد باشا

وأكد الدكتور أحمد فؤاد باشا عضو “المجمع العلمي المصري”، أن التراث العلمي لم يحظى بالتقدير المناسب في مصر، وأن عدد الهيئات التي تهتم به قليل جدًا، لافتًا إلى أن العلوم هي أساس الحضارة والتقدم العلمي في كل العصور.
وأضاف أن التراث العلمي هو رصيد حضاري يجب الاهتمام به وإحياؤه لأنه ذاكرة الأمة ورفعتها وتاريخها، مشيرًا إلى أن الأمة فقدت كثيرًا من مقوماتها الحضارية في الوقت الحاضر.
وأرجع ضعف الاهتمام بالتراث العلمي إلى عدم الوعي بقيمته، موضحًا أنه كان سببًا في النهضة الأوروبية الحالية، ففي العصور الوسطى كان العلم الإسلامي هو مصدر الاستنارة الأول والوحيد في تاريخ الحضارة الإنسانية، مؤكدًا أن التراث الإسلامي كان حجر الأساس لكل العلوم وأنواع المعرفة في النهضة الأوروبية الحديثة.

علماء مسلمون 
وقال: “هناك علوم تأسست في الحضارة العربية الإسلامية مثل علم الجبر الذي أسسه الخوارزمي لينطلق إلى أوروبا، حيث كان كتاب “الجبر والمقابلة” من أوائل الكتب التي تُترجم إلى اللاتينية، واستفادت منه أوروبا وطورته بعد ذلك، بالإضافة إلى أننا نجد أمهات الكتب التراثية مترجمة إلى اللغة اللاتينية، ونحن يؤخذ علينا أن نأخذ تراثنا من الغرب”.

وأفاد بأن كتاب “المناظر” للحسن بن الهيثم أسس المنهج العلمي الذي استفاد منه كل من أتى بعده، وأنه أساس التقدم العلمي عبر التاريخ، فقد وضع نظريات علمية لازلنا ندرسها حتى الآن، مثل نظريات الضوء وتشريح العين، كما أن رسائل بن الهيثم لازالت موضع اهتمام العلماء حتى وقتنا هذا.

وأشار كذلك إلى كتاب “القانون” في الطب، لابن سينا مؤكدًا أنه لا يمكن الاستغناء عنه حتى عصرنا الحاضر، حيث يتضمن الكثير من أصول العلوم التي ندرسها اليوم.
وأوضح أن العلوم التراثية تُفيد في تطور العلوم لمختلفة، وانه لو تم إعادة توظيفها بشكل عصري سنستفيد منها حاليًا، مشيرًا إلى أهمية تدريس تطور العلم لتحقيق التدريس الجيد المكتمل، فلابد من تأصيل العلوم حضاريًا وعلميًا ومعرفيًا لتحقيق اتصال بين الماضي والحاضر والمستقبل.
وأضاف: “عندما ندرس هذا التراث ننمي في أبنائنا العزة والانتماء لحضارتنا الإسلامية العربية لنكون الشخصية العلمية المتكاملة”.

عملية قرصنة
ولفت إلى قيام الغرب بتحريف أسماء العلماء المسلمين حتى تبدو كما لو كانت أسماء غربية، وهو تزوير وتشويه للحقائق، كما قام بعض المترجمين بنسب الكتب المترجمة لأنفسهم، مما يعني تغريب التراث العربي الإسلامي.
وتابع: “لذا فلا بد من العودة للأصول وصحة التاريخ عن طريق إحياء التراث وإرجاع الكشوف العلمية إلى أصحابها الشرعيين، لحمايتها من عملية القرصنة التي تمت على التراث من الناحية المعرفية أو في حالة الحروب على الدول الإسلامية ونهب الكتب أو حرقها، ولابد أن يكون الإحياء بعقلية رشيدة والتعامل مع التراث على أنه منهج”.
كما أشار إلى أن احياء التراث يمكن استغلاله في الجذب السياحي، فعلى سبيل المثال الحسن بن الهيثم عاش ومات ودفن في مصر، وقبره الآن معروف، فلما لا يكون قبره مزار سياحي ليتحول التراث إلى سياحة علمية، وفقًا لباشا الذي أكد أننا أحيانًا نعرف الأسماء ولا نعرف قيمتها.

د. صفاء عبد الرحيم برعي

 

علم تحقيق التراث 
ومن ناحيتها، قالت الدكتورة صفاء عبد الرحيم برعي مدير “مركز دراسات وبحوث التراث” بكلية الآداب بجامعة سوهاج: المستقبل يُبنى على التراث، مشددة على أهمية التضافر بين الأصالة والمعاصرة في الوقت ذاته.
وأكدت أن التراث الإسلامي واللغوي يتم تحقيقهم بشكل جيد، بخلاف مجالات فكرية أخرى مثل التراث الفلسفي والتاريخي والعلمي الذي يفتقد النشر والتحقيق المُرضي، على حد قولها.
واقترحت أن يكون هناك علم لتحقيق التراث المتعلق بالمجالات الفكرية، وأن يُدَرَس بشكل علمي تأصيلي نظري على كيفية تحقيق التراث، ثم تشجيع الأقسام العلمية للطلبة والدارسين على التحقيق، مؤكدةً على ضرورة أن يكون التراث جزء أساسي من المواد التي تُدَرَس للطلبة قبل التخرج، حيث شددت على أن حل معضلة إهمال التراث العلمي يبدأ من التعليم. 

📎 رابط مختصر للمقال: https://www.baladnews.com/?p=559

موضوعات ذات صلة

وزير الثقافة: مبادرات لنشر الثقافة وتعزيز الوعي

المحرر

بعد فوزها بالتشجيعية.. دعاء البادي: هدفي تكريم المهمشين

المحرر

معرض الكتاب حالة ثقافية فريدة لهذه الأسباب

المحرر

بطولات أكتوبر الميدانية تضئ معرض الكتاب

المحرر

لوران موفينيه يخطف “غونكور” برواية تفتح باب الذكريات

المحرر

د. كمال جادالله: الأدب الفرنسي لازال مؤثرًا في أعمالنا

المحرر