ثقافة وأدب

بعد فوزها بالتشجيعية.. دعاء البادي: هدفي تكريم المهمشين

في إنجاز أدبي جديد يضيء سماء الثقافة المصرية، توّجت الروائية المبدعة دعاء جمال البادي بجائزة الدولة التشجيعية لعام 2025 في مجال الآداب، فرع الرواية التاريخية والتراثية. جاء هذا التكريم عن روايتها المتميزة “غربان لا تأكل الموتى”، التي تمثل إضافة للمشهد الروائي العربي.

  “صوت البلد” كان لها هذا اللقاء الخاص مع الكاتبة، لتسلط الضوء على رحلة الإبداع خلف هذه الرواية الفائزة، والدوافع، والتحديات، والرسائل العميقة التي تسعى البادي لإيصالها إلى جمهورها، فكان الحوار التالي:

-عما يدور موضوع روايتك التي فزتِ عنها بالجائزة؟

  تنتمي رواية “غربان لا تأكل الموتى” إلى الأدب التاريخي، وتحكي قصة عائلة استقرت في مدينة السويس بالقرن التاسع عشر. ومن خلال حفيد هذه الأسرة، نستكشف تاريخ المدينة، وحروب 1967 و1973 التي شهدتها. والفترة الصعبة التي مرت عليها، والأحداث التي وقعت بها، وتسليط الضوء على نشأة التنظيمات الإرهابية وتحركاتها في الثمانينات والتسعينات. بشكل عام، تتناول الرواية تداعيات الحروب على المواطنين.

حروب طاحنة وفكر متطرف

-كيف جاءك الإلهام أو الدافع لهذه الفكرة؟

  انبثقت الفكرة من شغفي واهتمامي بالحروب وتاريخها، والفترة العصيبة التي مرت بها مصر من الهزيمة وحتى الانتصار. والقراءة والكتابة عنها، كما أنني مهتمة بفهم كيف يتكون وينمو الفكر الإرهابي في ذهن المتطرف.

-ما الصعوبات التي واجهتك أثناء كتابة الرواية؟

  لم أواجه صعوبة كبيرة في جمع المعلومات والاطلاع على تفاصيل حربي 1967 و1973 وتأثيرهما على مصر والمصريين. كما قرأت كثيرًا عن مدينة السويس وفترة الحرب والسلام التي عاشتها، وعن التنظيمات الإرهابية ونشأتها. الصعوبة الحقيقية كانت في كيفية الوصول إلى الفكر المتطرف، والتعرف على بداية نشأة الفكر الإرهابي في ذهن شخص ما، ثم كيفية التعبير عن فكرة متطرفة على لسان بطل الرواية.

أصوات ومعاناة الأبطال البسطاء

-لماذا سميت الرواية باسم “غربان لا تأكل الموتى”؟

  فضلت تسمية الرواية بهذا الاسم لأن الغربان تلعب دورا كبيرا في الأحداث منذ البداية وحتى النهاية.

-ما الرسالة التي ترغبين في نقلها للمجتمع من خلال هذه الجائزة؟

  أردت أن أقدم عملًا أدبيًا يسلط الضوء على الأحداث التي مرت بالبلاد، وعلى تضحيات المصريين في حربي 1967 و1973. ويسرد قصص العديد من الأبطال المجهولين. بعيدا عن السياسات والقصص المتعارف عليها التي تختزل حرب 1967 في كلمة “الهزيمة” وحرب 1973 في “الانتصار”، وبعيدًا عن مذكرات القادة العسكريين المعروفة.

لذلك فضلت التركيز على معاناة وتضحيات الأبطال والجنود العاديين، ورويت قصصهم والفترات الصعبة التي عاشوها. واهتممت بأن أكون أحد الأصوات التي تتولى إيصال صوت هؤلاء الأبطال البسطاء إلى الناس.

غلاف الرواية 

-أي جزء من الرواية يلامس مشاعرك بعمق أكبر؟

لدي عدة أجزاء تمس قلبي ومشاعري كلما قرأتها، ولكن أقربها مشهد تعريف بطل الرواية بنفسه وبأسرته، الذي يتكشف من خلاله بعض الأجزاء المهمة لدى القارئ:

  اسمي موسى، موسى غريب المنسي، وُلدتُ بعد الهزيمة وقبل الانتصار، في يوم من أيام استنزاف الناس لأنفسهم، أي أنني جئتُ إلى الدنيا كتضحية مقلقة، وفي نفس الوقت جئتُ كالخطأ.. حولي دائرة كبيرة حمراء. إنني الآن في سن العشرين أو الأربعين -حسبما تُروى قصتي من أولها أو آخرها- وحيدًا إلا من الأفكار الرديئة الشاطَّة بالنسبة لمن حولي، على حين أني أراها -وبأمانة- أفكارًا تشي بخبيئة الأمصار وتخبر جنوح الغايات وتمهد للتائهين طريقًا.

لأسباب ترتبط بمصائر غامضة، أؤمن أن الحرب لم تنتهِ؛ المعارك على أشدها في مكان ما غير مرئي للناس.. وهذي الغربان التي تملأ السماء بالنعيق والسواد تحوم حول جثتي الضائعة كالمَحْفَظات بين الرمال.

لا أحد سيصدقني إذا قلتُ إن القتال ما زال مستعرًا، حتى الحقائق الوضّاءة تبدو مشكوكًا في صحتها. سيقولون إنني فقدتُ عقلي، وربما أصبح نزيلًا في مستشفى المجانين؛ ذلك أنني لستُ مجنونًا، بل ضحية المجانين.

  وأحد مشاهد الهزيمة التي تعرض لها بعض الأبطال:

ثم تصعد أصواتُهم المنجرحة بالهزيمة:

– انزل..

– ستموت.

وأزعق فيهم:

– أنتم جبناء وأنا كل الندم.

يتأسفون ويضربون كفوفهم، وأقول أيضًا:

– إنني لن أعود.

لسبب ملتبس يتكورون حول نقطة غير مرئية، ويتأهبون للانفجار، في حين أنتظر مجيء الغربان لتحل المسألة.

يلعق أحدهم الهواء، ثم يلوح لشيء لا أراه، ويهتف في حماسة:

– الله لا يرضى بهذا.

أتلفتُ حولي وأستفسر:

– هل يدري بما جرى؟ ألديه فكرة؟!

من خلف الكتلة المتأهبة يدنو عجوز، يزفر صبره ويخلع عمامته ويتساءل:

– ما دخل المئذنة بالمسألة؟

ويتناوبون بينما رؤوسهم مشرئبة..

– صعد إلى أعلى ليقترب..

– ليُحدّث السماء من نقطة قريبة.

– ما يحدث لهو آخر حدود الجحود.

– جنون مرير.

وينسرب صوت من عقلي القديم

– كل فكرة قادرة على خلق أتباع بما في ذلك الجنون.

نجيب محفوظ ملهمي الأول

-هل ترين تأثيرًا مباشرًا للجائزة على مسيرتك المهنية أو على المجتمع؟

  جوائز الدولة تؤثر بشكل كبير على الأفراد لما لها من قيمة وأهمية كبرى، وهي دافع لبذل المزيد من الجهد. ما زلت أشعر بالمفاجأة لحصولي عليها. وأتمنى أن تؤثر الجائزة في مجال عملي مستقبلًا.

-مَن الأشخاص الذين أثروا في مسيرتك؟

  تأثرت كثيرًا بأستاذنا الكبير نجيب محفوظ؛ فهو ملهمي. لقد تأثرت بأدبه وكل ما يمت له بصلة، حتى على الصعيد الشخصي وتعاملاته مع الناس.

-هل لديكِ خطط أخرى مستقبلا؟

  نعم، لدي عدة أعمال أسعى حاليًا لنشرها تباعا.

  دعاء البادي صحفية مصرية، فازت بجائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي عن رواية “زهرة الأندلس” عام 2019، وحصلت على جائزة المجلس الأعلى للثقافة عن مسرحية “الرماد” عام 2023. صدر لها متتالية قصصية بعنوان “إنهم يثورون في دُرج الكومودينو” عام 2019.

📎 رابط مختصر للمقال: https://www.baladnews.com/?p=431

موضوعات ذات صلة

د. خالد سعد: وظفت الفن التجريدي لإحياء تراث ما قبل التاريخ

المحرر

نداهة أصيل .. ترجمة ذات تتوق إلى النور والانتماء

المحرر

في عيده الـ113.. إبداعات نجيب محفوظ تبوح بأسرار جديدة

المحرر

صرخات العالم قبل أن تلتهم حرب التجويع أطفال غزّة

المحرر

إعلان الإخوان الدكتاتوري .. وأيام الغضب المصري

المحرر

فنانون عرب وأجانب يحصدون جوائز الخط العربي

المحرر