ثقافة وأدب

إحياء التراث المعماري.. تجارب منفردة تفتقد الرؤية الشاملة

تتجلى جماليات الهوية في التراث المعماري القديم الذي يحمل عبق التاريخ والحضارة المصرية على مدار حقب تاريخية مختلفة تحمل ثقافات مختلفة، وتستظل جميعها تحت مظلة الهوية المصرية.وهناك اتجاهات فردية حاليًا – وإن كانت تفتقد للرؤية الشاملة – تصبو نحو إعادة ترميم التراث المعماري المصري ليس فقط للحفاظ على قيمته الفنية والجمالية، وإنما لاستغلاله الاستغلال الأمثل اقتصاديًا من خلال توظيفه بطرق مبتكرة تتناسب مع الحياة العصرية لتنمية المجتمع المحلي، ورفع مستوى الحياة العمرانية.وبذلك يتجاوب التراث مع متطلبات العصر من خلال استثماره كرأس مال في مجالات مختلفة مع الحفاظ على قيمته الأثرية والتاريخية.

الدكتورة علياء الساداتيتقول الدكتورة علياء الساداتي، أستاذ مساعد بقسم الهندسة المعمارية بكلية الهندسة، جامعة القاهرة، إن الحفاظ عل التراث المعماري أمر غاية في الأهمية لأي بلد أو مجتمع، لافتةً إلى أن البلاد التي تمتلك القليل من التراث المعماري تعمل على تسويقه وإحياءه والحفاظ عليه، فما بالنا ببلد مثل مصر تمتلك تراث عريق سواء تحدثنا عن التراث بمفهومه الشامل أو فقط المباني الأثرية والمناطق ذات القيمة. إعادة الاستخدام وأوضحت أن الاختيار بين استخدام المباني الأثرية بشكل اقتصادي أو الحفاظ عليها فقط كقيمة أثرية هو أمر يتوقف على عدة اعتبارات، منها طبيعة المبنى نفسه، فهناك مباني أثرية لا تصلح لإعادة الاستخدام مثل الأهرامات، لكن هناك مباني أخرى من الممكن الحفاظ عليها وإعادة استخدامها بطريقة لا تضر المبنى ولا تقلل من قيمته، مثل الأسواق التاريخية التي لها استخدام بالأساس، ونعيد استخدامها، وتوجد مباني أخرى طبيعتها تسمح لها بإعادة الاستخدام حتى لو لم يكن هو ذاته الاستخدام الأصلي، ولكن الاستخدام الجديد لا يضر المبنى بل بالعكس يزيد من أهميته كمبنى ومنطقة محيطة. 
وضربت مثالًا ببيوت قديمة في القاهرة التاريخية تم إعادة استخدامها وكانت تجارب موفقة، حيث كان أصلها بيوت سكنية والاستخدام الجديد كان إضافة للمبنى.ولكنها شددت أن تحديد ماهية الاستخدام الجديد هي عملية لابد أن يسبقها دراسة متعمقة في المبنى وتاريخه والمنطقة المحيطة واحتياجات السكان المحيطين والمستخدمين المحيطين وطبيعة المبنى نفسه، وما هي الاستخدامات الممكن أن يستوعبها المبنى وتكون إضافة له. تهديدات تواجه التراثولفتت الساداتي إلى التهديدات العديدة التي تواجه التراث المعماري، حيث ذكرت أن هناك ثلاثة قوانين أساسية حاكمة، وهم قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 المهتم بالحفاظ على المباني الأثرية المسجلة، وقانون تنظيم هدم المباني والمنشآت غير الآيلة للسقوط والحفاظ على الترااث المعماري رقم 144 لسنة 2006 المعني بالحفاظ على المباني ذات القيمة المسجلة، فقد يكون المبنى غير أثري لكن مرتبط بشخصية تاريخية أو حدث مهم أو له قيمة فنية أو معمارية أو غيره. أما القانون الثالث فهو معني بالحفاظ على المناطق المسجلة، ويتمثل في الباب الثاني من قانون البناء الموحد 119/2008 المعني بتسجيل النطاقات العمرانية ذات القيمةن وهو معني بالمنطقة ككل وليس المباني منفردة مثل منطقة الكوربة، وحي الزمالك، وجاردن سيتي، وهو هام جدًا لأنه أحيانًا تكون الأهمية في المنطقة والنسيج العمراني ككل، ولكن المباني منفردة تكون ذات قيمة أقل. وأوضحت أن هناك مشكلات تواجه القوانين الثلاثة منها أن  عملية التسجيل من الضروري أن تتم بشكل أكبر، فهناك مباني تستحق أن تُسجل كمباني أثرية ولكنها غير مسجلة، ومباني أخرى تستحق أن تسجل كمباني ذات قيمة وهي غير مسجلة أيضًا، فضلًا عن أن هناك مناطق هامة مازالت غير مسجلة، مشددةً على أنه من الضروري أن يتم إدراج المباني والمناطق التي تستحق التسجيل. 
هذا بالإضافة إلى أهمية تفعيل القوانين للحفاظ على المباني والمناطق ذات القيمة وألا يتم إخراجها من قائمة التسجيل لأسباب مثل كون المبنى أصبح آيل إلى السقوط، وأنه لابد من إيجاد حلول بديلة للحفاظ على المباني وتطبيق القوانين، لأن هناك قوانين هامة لا تُنفذ بشكل حازم، وفقًا للساداتي.وأشارت الساداتي إلى أننا أصبح لدينا حاليًا بعض النماذج الجيدة لإحياء التراث المعماري، ولكننا لازلنا في حاجة إلى أن يتم ذلك بشكل موسع للمباني ذات القيمة التراثية والأثرية، موضحةً أن هناك مجهودات منفردة وتجارب موفقة تمت في مناطق وسط البلد والقاهرة التاريخية، ولكننا في حاجة إلى ترسيخ رؤية شاملة، بحيث تتواصل المجهودات المنفردة لإحداث تنمية عمرانية حقيقية.

المهندس محمد رمضانكيانات مهملةويرى المهندس محمد رمضان، مدير مشروعات بشركة “رواد الهندسة الحديثة”، أنه يجب استغلال المباني التراثية الاستغلال الأمثل لتحويلها من كيانات مهملة غير منظور إليها إلى أماكن يتم إعادة استخدامها بعد ترميمها، مثل قصر السلطان حسين المعروف باسم قصر السلطانة ملك، والذي تم تحويله إلى مركز إبداع رقمي تابع لوزارة الاتصالات، بعد أن كان مجرد كيان مهمل غير مهتم به تمامًا.
وأوضح رمضان أن المشروع الذي تولى إدارة ترميمه كان به مشكلات إنشائية تم ترميمها وكذلك على مستوى الزخارف، موضحًا أن الترميم يجب أن يحافظ على الشكل التراثي للمبنى، ولكن لهدف مختلف عن الهدف القديم من إنشاء المبنى، حيث تم الحفاظ على السمات الأساسية للقصر مثل الفراغات، والزخارف، والعناصر الخشبية، والزخرفية، والأثرية، وتم إظهارها والاحتفاظ بها حتى يتم إعادة الاستخدام جنبًا إلى جنب مع نشر التراث والثقافة القومية.ولفت إلى أن هناك محاولات لإعادة التأهيل والاهتمام بالمباني التراثية في الفترة الأخيرة، وخاصةً بالقاهرة الفاطمية القديمة، فهناك مساجد تم ترميمها مثل مسجد السيدة زينب ومسجد السيدة نفيسة تم ترميمها مؤخرًا بمساهمة طائفة البُهرة. وأشار إلى أن شركته تعمل حاليًا على مشروع ترميم متحف في القلعة، لإعادة استخدامه حسب رؤية وزارة الآثار، بالإضافة إلى العمل على ترميم مسجدين من التراث هما مسجد قاني باي الرماح، ومسجد جوهر اللالا، موضحًا أن المسجدين يمران الآن بمراحل التدعيم الإنشائي والترميم، ليتحولوا الى مزار سياحي كنوع من الاستفادة بقيمتهم الأثرية والجمالية.
وأضاف رمضان أن ترميم التراث وإعادة استغلاله في ثوبه القديم أو لهدف جديد هو أمر من شأنه أن يحافظ على الهوية المصرية والآثار الإسلامية، واستخدامها الاستخدام الأمثل لأن التراث هو رأسمال حقيقي لنا يمكن استثماره بشكل جيد.

الدكتور علاء الحبشيتجربة بيت يكنوأشار الدكتور علاء الحبشي، عضو لجنة الفنون التشكيلية والعمارة بالمجلس الأعلى للثقافة، وأستاذ العمارة والحفاظ على التراث بجامعة المنوفية، إلى تجربة إعادة إحياء بيت يكن في منطقة اليكنية في الدرب الأحمر، والذي ترجع أصوله إلى عائلة “يجن” التركية.
وأوضح أن ذلك دليل على إبراز دور التراث في تحفيز تنمية مستدامة للتراث العمراني، حيث تم تحويل البيت إلى صرح ثقافي يضم مكتبة الحبشي للكتب النادرة، واستديو الدنمارك للبحوث والثقافة، وغيرها من ألوان الثقافة.ولفت الحبشي إلى أن تجربة الإحياء وإعادة الاستخدام أدت إلى الإعلاء من قيمة بيت يكن بإضافة قيمة اقتصادية ومجتمعية، بالإضافة إلى احتفاظه بقيمته الفنية والجمالية.

📎 رابط مختصر للمقال: https://www.baladnews.com/?p=4763

موضوعات ذات صلة

قصص الحكاء الأخير في هذا الزمان تواجه أسئلة الوجود

المحرر

الملك لير يصارع أقداره من جديد على خشبة المسرح

المحرر

روايات هان كانغ تستكشف العلاقة المعقدة بين الإنسان والوجود

المحرر

الحزمة الثانية للتسهيلات الضريبية لدعم مجتمع الأعمال قريباً

المحرر

حدث في شارعي المفضل.. هل من مُغيث لكوكب الأرض؟

المحرر

الحناء في اليونسكو بقوائم التراث العربي المشترك

المحرر