تقف المرأة وحيدة وسط الميدان تبحث عن مخرج لها وسط الزحام، فتجد أمامها تمثال إبراهيم باشا ابن محمد علي؛ واقفاً في شموخ وعظمة ماضية؛ وسط ميدان الأوبرا تنظر المرأة تجاه التمثال، وتتذكر عظمة محمد علي والحضارة الحديثة، وكيف أصبحت المباني العظيمة، والتي تسمى المباني الخديوية؛ قد أصبحت حزينة وبالية بسبب تكاثر الأتربة والغبار والزحام وأصبح ميدان الأوبرا ممتلئ بالباعة الجائلين، فحزنت حزناً شديداً وأصبحت ممزقة المشاعر بين الماضي والحاضر.. هذا مقتطف من المجموعة القصصية “فنجان قهوة بـ7 جنيه” للأديبة صفاء عبد المنعم، الصادرة عن دار المحرر للنشر والتوزيع، والتي حصدت جائزة السرد القصصي لاتحاد كتاب مصر للعام ٢٠٢٥، حيث تتناول المجموعة حالة التشظي للإنسان المعاصر وخاصة المرأة في المجتمع.. وإليكم مقتطفات من أجواء الرواية:
حين تغني أسراب النمل
الأم تقف مهزومة من النمل، الذي يغني وهي لا تستطيع النوم بسبب الغناء العالي المزعج، فتطلب من ابنتها أن تشتري لها مبيداً حشرياً قوياً لتقتل به أسراب النمل المزعجة. فبعد أن تشتري الابنة المبيد تقوم بدلقه في الحوض وتقف صامتة تشاهد أسراب النمل وهي تخرج من الباب تحمل جثة الأم وهي تغني.
حديث مع دوستويفسكي
تقف البنت في طابور طويل أمام مكنة السحب ليلة العيد، تقف صامتة لا تتحدث مع أحد رغم الزحام الشديد. فجأة تنظر بعيداً فترى دوستويفسكي قادماً، فتناديه وتتحدث معه حديثاً طويلاً، ثم يتركها وحيدة وسط الزحام. هذا يدل على وحدة الإنسان الحديث وتوحده مع ذاته، وأنه لا يجد من يتحدث معه رغم الزحام الشديد.
قميص حرير
نرى الأب يوم نجاح ابنه يقدم له قميص حرير هدية؛ كان يدخره الأب لهذا اليوم منذ مدة طويلة. يأخذ الولد القميص ويقف أمام المرآه؛ يرى الأب أن القميص جميل جداً ، لكن للأسف الشديد يلقي الولد بالقميص على السرير ويخرج من الحجرة صامتا. في هذا النص الولد والأب من جيلين مختلفين وذائقة مختلفة تماماً.
الشيطان الذي شرب الشاي معي
البنت تجلس في الحجرة وحيدة تذاكر دروسها، فترى الشيطان قادماً، ويجلس إلى جوارها ويذكر معها فتسأله، هل تشرب الشاي معي. تذهب لعمل الشاي تجد الشيطان قد كتب لها جميع الدروس بسرعة وهمة ونشاط، فتقف أمامه وهي تضحك كيف فعلها بهذه السرعة. وهكذا على طول المجموعة تتحدث عن الإنقسام الداخلي والخارجي والغربة في المكان والزمان.